ولهذا غضب الله لجبريل على من عاداه ، فقال: ( من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه) أي: من الكتب المتقدمة ( وهدى وبشرى للمؤمنين) أي: هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة ، وليس ذلك إلا للمؤمنين. كما قال تعالى: ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) [ فصلت: 44] ، وقال تعالى: ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) [ الإسراء: 82]. ثم قال تعالى: ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) يقول تعالى: من عاداني وملائكتي ورسلي ، ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر ، كما قال تعالى: ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) [ الحج: 75].
- تفسير: (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله)
- (قل من كان عدواً لجبريل) - أسباب النزول - عبد الحي يوسف - طريق الإسلام
- آيات عن جبريل – آيات قرآنية
تفسير: (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله)
وقوله تعالى: ( فإن الله عدو للكافرين) فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل: فإنه عدو للكافرين. قال: ( فإن الله عدو للكافرين) كما قال الشاعر: لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا وقال آخر: ليت الغراب غداة ينعب دائبا كان الغراب مقطع الأوداج وإنما أظهر الاسم هاهنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره ، وإعلامهم أن من عادى أولياء الله فقد عادى الله ، ومن عادى الله فإن الله عدو له ، ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والآخرة ، كما تقدم الحديث: " من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب ". وفي الحديث الآخر: " إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب ". وفي الحديث الصحيح: " ومن كنت خصمه خصمته ".
(قل من كان عدواً لجبريل) - أسباب النزول - عبد الحي يوسف - طريق الإسلام
قوله: ﴿ قُلْ ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ﴾ "من": شرطية، وكان: فعل الشرط، وجوابه جملة: ﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾، و"جبريل" هو الملك الموكل بالوحي. أي: من كان معاديًا لجبريل عليه السلام، مبغضًا له، كما هو حال اليهود الذين يعادون جبريل عليه السلام ويبغضونه، ويقولون: إنه ينزل بالعذاب والشدة والحرب والقتال ونحو ذلك. والعجيب أنهم يثبتون أنه ملك مرسل من الله، ويبغضونه مما يدل على اضطرابهم في معتقدهم. ﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ الضمير في قوله: ﴿ فَإِنَّهُ ﴾ يعود إلى جبريل عليه السلام، والضمير المنصوب في ﴿ نَزَّلَهُ ﴾ يعود إلى القرآن، وقد تقدم ذكره في قوله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ والسياق يدل عليه. ومعنى ﴿ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ أي: نزل القرآن الكريم من عند الله عز وجل على قلبك يا محمد، فوعاه قلبك وحفظه كما قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194]، وقال تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 16 - 18].
آيات عن جبريل – آيات قرآنية
وهذا من باب عطف الخاص على العام، وعلى غراره قوله سبحانه: فيهما فاكهة ونخل ورمان. السؤال: ما المقصود من عداوة العبد لله، وعداوة الله للعبد في قوله تعالى: من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين (البقرة 98)؟ الجواب: كلا العداوتين مجاز، فعداوة العبد لله معناها عصيانه ومخالفة أوامره ومعاداة رسله وأوليائه. وعداوة الله للعبد معناها: مجازاته على عصيانه وتعذيبه، وإظهار أثر العداوة عليه. ترتيب دقيق السؤال: جاء الترتيب في قوله تعالى: من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال.. (البقرة 98) في غاية الدقة والحسن، وضح ذلك؟ الجواب: لأنه ابتدئ بذكر الله تعالى، ثم بذكر الوسائط التي بينه وبين الرسل وهم الملائكة، ثم بذكر الوسائط التي بين الملائكة وبين المرسل إليهم وهم الرسل. فهذا ترتيب بحسب الوحي. ولا يدل تقديم الملائكة في الذكر على تفضيلهم على الرسل من بني آدم، لأن الترتيب المذكور ترتيب بالنسبة إلى الوسائط لا بالنسبة إلى التفضيل. والله أعلم. السؤال: ما سر العدول عن المضمر إلى الظاهر في قوله تعالى: فإن الله عدو للكافرين (البقرة 98) وكان ظاهر السياق أن يقال: عدو لهم؟ الجواب: ليدل على سبب معاداة الله تعالى لهم وهو الكفر ببعض ملائكته، وأن عداوة المذكورين في الآية الكريمة كفر بَين لا يحتاج إلى الإخبار به.
تفسير القرآن الكريم
(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تفسيرالطبري ١: ٤٣١ وانظر مسند أحمد ١: ٢٧٤. 2- التفسير المنسوب إلى الامام الحسن العسكري (عليه السلام):٤٤٨.