وإذا كان من فوائد وآثار الدعاء أنه ينفع فيما نزل ولم ينزل، فليس معنى ذلك أن يحصل المطلوب بعينه وفي الحال، فإن صُوَر الاستجابة تتنوع، فإما أن يُعْطَى العبد ما سأل، وإما أن يُصْرف عنه من السوء مثله، أو أن يُدَّخَّر له في الآخرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يَصْرِفَ عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نُكْثِر! وقال ربكم ادعوني استجب لكم. قال: الله أكثر) رواه أحمد وصححه الألباني. قال ابن عبد البر في "التمهيد": "فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة"، فكُلُّ دَاعٍ لم يقم به مانع من إجابة الدعاء فإنه يُسْتَجَاب لَهُ، لَكِنْ تَتَنَوَّع الْإِجَابَة: فَتَارَة تَقَع بِعَيْنِ مَا دَعَا بِهِ، وَتَارَة بِعِوَضِه، كما قال ابن حجر. وقال ابن الجوزي: "اعلم أن الله عز وجل لا يرد دعاء المؤمن، غير أنه قد تكون المصلحة في تأخير الإجابة، وقد لا يكون ما سأله مصلحة في الجملة، فيعوضه عنه ما يصلحه، وربما أخر تعويضه إلى يوم القيامة، فينبغي للمؤمن ألا يقطع المسألة لامتناع الإجابة، فإنه بالدعاء مُتَعَبَّد، وبالتسليم إلى ما يراه الحق له مصلحة مُفَوِض".
🤲 الدعاء : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ ) ... 🤲 - الصفحة 12 - هوامير البورصة السعودية
ولفظ الدعاء في القرآن يتناول هذا وهذا، الدعاء بمعنى العبادة، أو الدعاء بمعنى المسألة، وإن كان كل منهما يستلزم الآخر، لكن العبد قد تنزل به النازلة ، فيكون مقصوده طلب حاجته، وتفريج كرباته، فيسعى في ذلك بالسؤال والتضرع، وإن كان ذلك من العبادة والطاعة، ثم يكون في أول الأمر قصده حصول ذلك المطلوب: من الرزق والنصر والعافية مطلقا، ثم الدعاء والتضرع يفتح له من أبواب الإيمان بالله عز وجل ومعرفته ومحبته، والتنعم بذكره ودعائه، ما يكون هو أحب إليه، وأعظم قدرا عنده من تلك الحاجة التي همَّتْه. وهذا من رحمة الله بعباده، يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العلية الدينية. وقد يفعل العبد ما أمر به ابتداء لأجل العبادة لله، والطاعة له، ولما عنده من محبته والإنابة إليه، وخشيته، وامتثال أمره، وإن كان ذلك يتضمن حصول الرزق والنصر والعافية، وقد قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]. 🤲 الدعاء : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ ) ... 🤲 - الصفحة 12 - هوامير البورصة السعودية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن أبو داود وغيره: الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]. وقد فسر هذا الحديث مع القرآن بكلا النوعين: " ادعوني " أي اعبدوني وأطيعوا أمري؛ أستجيب دعاءكم.
وقيل: سلوني أعطكم، وكلا المعنيين حق " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 312 - 313). وانظر في تفصيل ذلك، الجواب رقم: ( 113177). والله أعلم.