وانتهى الكلام فإذا الصمت سيد الموقف. ولعله علامة الرضا. وقمنا من مكاننا ذلك وقد ازداد النسيم برودة، والنجوم تألقاً، والنفوس والصدور انتعاشاً وانشراحاً. يا أصحاب القامات، توجوا رؤوسكم بما يناسب قاماتكم من عناوين. ولتكن قاماتكم – يا حملة القضية – بمستوى عناوينكم. 27 نيسان 2022
________________________________
[1] -صحيح البخاري.
طه الدليمي - المعرفة
قصة فلسطين.. د. طه حامد الدليمي - YouTube
قصة فلسطين .. د. طه حامد الدليمي - Youtube
وهذا هو ما يسميه علماء السلوك بـ(علو الهمة)، وكثيراً ما يردد ابن قيم الجوزية هذا البيت متحسراً على كسل الغافلين وغفلة المتكاسلين:
قدْ هيأوكَ لأمرٍ لو فطنتَ لهُ فاربأْ بنفسِكَ أنْ ترعى معَ الهَمَلِ
ومنهم من له عنوان أكبر من قامته فعليه أن يطيل من قامته لتكون بمستوى عنوانه؛ لأن الله تعالى سيحاسبه طبقاً لعنوانه. وكذلك الناس ينظرون إليه من خلال ذلك العنوان ويطالبونه بمستحقاته. وما من شك في أن ما يطالب به المدير أعلى مما يطالب به الخفير. وإلا فليغادر صاحب العنوان عنوانه إلى عنوان آخر يناسبه؛ فهو خير له عند ربه، وأعذر له بين خلقه. كان نسيم الصحراء يبرد رويداً رويداً، والنجوم تأتلق، مع حلول الظلام وغيبة القمر، أكثر وأكثر؛ فتنتعش النفوس، وتنشرح الصدور لقبول الحق والتعاطي مع النصح. ونظرت فإذا الآذان مصغية لاستقبال المزيد. طه الدليمي - المعرفة. فليكن قبساً من نور القرآن ومَشْقاً من عطر سيرة سيد الأكوان e وأصحابه الكرام! فمضيت في حديثي أقول ما ملخصه:
عبق من السيرة
كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنهقريب اسمه (مسطح) ينفق عليه ويحسن إليه. فلما خاض المنافقون والذين في قلوبهم مرض في أم المؤمنين رضي الله عنها، خاض مسطح مع الخائضين.
ثم أنزل الله جل وعلا – من بعد – براءة عائشة فحلف الصديق أن لا يصل مسطح ولا ينفق عليه أبداً. وهذا تصرف طبيعي، بل هو أقل ما يمكن أن يجازي به رجل رجلاً طعن في عرضه. ولا نعرف أحداً يمكن أن تسخو نفسه فيستمر بالإنفاق والإحسان إلى من فعل ذلك في حقه! اللهم إلا اذا بلغ في حسن الخلق من الدرجات أعلاها، وكرم النفس من المراتب أسماها، فينكر ذاته، ويعمل الخير من أجل الخير نفسه خالصاً من ذاته! تويتر طه الدليمي. كانت هذه الدرجة العالية السامية هي التي أرادها الله تعالى لـ(صاحب) نبيه e فقال له داعياً ومرغباً: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور/22). وكان جواب أبي بكر رضي الله عنه: (بلى يا رب أحب أن تغفر لي) ( [1]). وعاد إلى مسطح يصله وينفق عليه! إن هذه القامة لا يوفق الله إليها غير طراز خاص من المؤمنين يقول عنهم سبحانه: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:35،34).