وروى الجعفي عن أبي عمرو " سيفرغ " بفتح الياء والراء ، ورويت عن ابن هرمز. وروي عن عيسى الثقفي " سنفرغ لكم " بكسر النون وفتح الراء ، وقرأ حمزة والكسائي " سيفرغ لكم " بالياء. الباقون بالنون وهي لغة تهامة.. والثقلان الجن والإنس ، سميا بذلك لعظم شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من غيرهما بسبب التكليف - وقيل: سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا ، قال الله تعالى: وأخرجت الأرض أثقالها ومنه قولهم: أعطه ثقله أي وزنه. وقال بعض أهل المعاني: كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل. ومنه قيل لبيض النعام ثقل ، لأن واجده وصائده يفرح به إذا ظفر به. ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾. وقال جعفر الصادق: سميا ثقلين ، لأنهما مثقلان بالذنوب. وقال: سنفرغ لكم فجمع ، ثم قال: أيه الثقلان لأنهما فريقان وكل فريق جمع ، وكذا قوله تعالى: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم ولم يقل إن استطعتما ، لأنهما فريقان في حال الجمع ، كقوله تعالى: فإذا هم فريقان يختصمون و هذان خصمان اختصموا في ربهم ولو قال: سنفرغ لكما ، وقال: إن استطعتما لجاز. وقرأ أهل الشام " أيه الثقلان " بضم الهاء. الباقون بفتحها وقد تقدم. مسألة: هذه السورة و " الأحقاف " و " قل أوحي " دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء ، مؤمنهم كمؤمنهم ، وكافرهم ككافرهم ، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك.
- ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾
قَالَ: فَجَعَلَ يَجُولُ فِي الدَّارِ وَيَصْرُخُ وَيَبْكِي، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ لِلْفَتَى أُمُّهُ: يَا بُنَيَّ، مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا مِنْ أَبِيكَ؟
فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُهَوِّنَ عَلَيْهِ، لَمْ أُرِدْ أَنْ أَزِيدَهُ حَتَّى يَقْتُلَ نَفْسَهُ. وبناء على ذلك:
فَاللهُ تعالى يَتَوَعَّدُ عَالَمَ الإِنْسِ وَالجِنِّ بِقَوْلِهِ: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾. مَعَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى لَيْسَ مَشْغُولَاً بِأَمْرٍ حَتَّى يَفْرَغَ لَهُمْ، لِأَنَّ أَمْرَهُ بِكَلِمَةِ كُنْ. وَالحَقِيقَةُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، وَلَا تُغْلِطُهُ المَسَائِلُ، وَلَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ المُلِحِّينَ. فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ المَقْصُودُ بِهَا الوَعِيدُ، كَمَا يَقُولُ القَائِلُ لِمَنْ يَتَوَعَّدُهُ: سَأَتَفَرَّغُ لَكَ. وَلَيْسَ المَعْنَى أَنَّ اللهَ تعالى يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، ثُمَّ يَفْرُغُ مِنْ هَذَا وَيَأْتِي هَذَا، فَاللهُ تعالى يُدِيرُ كُلَّ شَيْءٍ في آنٍ وَاحِدٍ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَفِي السَّمَاوَاتِ، يُدِيرُهُ كُلَّ ذَلِكَ في آنٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
ثمَّ ذكرَ ما أعدَّ لهم في ذلكَ الموقفِ العظيمِ فقالَ: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ} الآياتِ:
أي: يُرسَلُ عليكما لهبٌ صافٍ مِن النَّارِ {وَنُحَاسٌ} وهوَ اللَّهبُ الَّذي قد خالطَهُ الدُّخانُ، والمعنى أنَّ هذينِ الأمرينِ الفظيعَينِ يُرسَلانِ عليكما ويحيطانِ بكما فلا تنتصرانِ، لا بناصرٍ مِن أنفسِكم، ولا بأحدٍ ينصرُكم مِن دونِ اللهِ.