ثم بين هاتين الشُّعْبتين شُعَب عظيمة، وأعظم الشعب بعد قول: لا إله إلا الله: أركان الإسلام التي بعد الشهادتين، وتحتها شُعَب وفروع عظيمة، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يذكرْها ولم يحددها، ولكن ذَكَرها على سبيل العدد؛ حتى يجتهد المسلم في تحصيلها، ويَجِدَّ في سائر طرق الخير؛ ولهذا قال تعالى: { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [ الحج:77]. فينبغي للمسلم أن يسارِعَ ويُسابق في الخيرات، والعبد إذا اجْتَهَد في خَصلة من خصال الخير، لا يقول يقينًا: إنَّ هذه هي الشُّعْبة المرادة، بل يجتهد في جميع خصال الخير؛ حتى يستكمل جميع الشُّعب؛ روى البخاري عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: « أربعون خَصْلة أعلاهُنَّ مَنِيحَة العَنْزِ، ما من عاملٍ يعمل بخَصلة منها رجاءَ ثوابها، وتصديقَ موعدها، إلاَّ أدخَلَه الله بها الجنة »،قال حسَّان: فعَدَدْنا ما دون مَنِيحَة العَنْز مِن رَدِّ السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعْنا أن نبلغَ خمس عشرة خَصلة" ( أخرجه البخاري برقم [2631]). وهذا يبيِّن كثرة طُرق الخير في هذه الشريعة، وأنه لا حصرَ لها؛ فمَهْمَا اجتهدَ العبد وعَمِل لنْ يُحصي طرق الخير؛ كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث ثوبان رضي الله عنه: « استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خيرَ أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلاَّ مؤمن » ( أخرجه ابن ماجه برقم [277] ،وهو حديث حسن) ، وهذا هو الواجب على المؤمن أن يجتهدَ في تحصيل خصال الخير، لكنَّه لن يحصيها؛ ولهذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم كما عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « إنَّ الدين يُسر، ولن يُشاد الدين أحدٌ إلاَّ غلبَه؛ فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا » ( أخرجه البخاري برقم [39]).
شعب الايمان بضع وسبعون شعبة اعلاها
زيادة الإيمان ونقصانه
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أو بِضْعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً: فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لا إله إلا الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ». شرح الحديث:
الإيمان ليس خصلة واحدة، أو شعبة واحدة، ولكنه شعب كثيرة، بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، ولكن أفضلها كلمة واحدة: وهي لا إله إلا الله، وأيسرها إزالة كل ما يؤذي المارين، من حجر، أو شوك، أو غير ذلك من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. معاني الكلمات:
الإيمان
المراد جميع أمور الدين من اعتقاد القلب، وقول اللسان، وفعل الجوارح. بِضْع
من ثلاثة إلى تسعة. شعبة
قطعة. أفضلها
أعلاها وأكثرها أجرًا. أدناها
أيسرها. إماطة الأذى
تنحيته وإبعاده. الأذى
هو كل ما يؤذي المارِّين. الحياء
حالة نفسية تعتري الإنسان عند فعل ما يخجل منه. فوائد من
الحديث:
الإيمان مراتب بعضها فوق بعض في الأهمية. الإيمان عند أهل السنة قول وعمل واعتقاد. الإيمان دافع وضابط للعمل الصالح. 231 من: (باب الحياء وفضله والحث على التخلق به). الإيمان يتجزأ ولذلك فهو يزيد وينقص. الإيمان أمر مكتسب. فضيلة الحياء والحث على التخلق به.
فهو الذي يكف العبد عن فعل ما لا يليق به، فيكره أن يطلع الناس منه على عيب ومذمة فيكفه الحياء عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق. فالذي يستحي من الله يجتنب ما نهاه عنه في كل حالاته، في حال حضوره مع الناس وفي حال غيبته عنهم. وهذا حياء العبودية والخوف والخشية من الله عز وجل وهو الحياء المكتسب من معرفة الله، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور. وهذا الحياء من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان. كما في الحديث: { الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك} والذي يستحي من الناس لا بد أن يكون مبتعداً عما يذم من قبيح الخصال وسيء الأعمال والأفعال، فلا يكون سباباً، ولا نماماً أو مغتاباً، ولا يكون فاحشاً ولا متفحشاً، ولا يجاهر بمعصية، ولا يتظاهر بقبيح. شعب الايمان بضع وسبعون شعبة اعلاها. فحياؤه من الله يمنعه من فساد الباطن، وحياؤه من الناس يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة، وصار كأنه لا إيمان له. كما قال النبي: { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت} [ رواه البخاري]. ومعناه إن لم يستح صنع ما شاء من القبائح والنقائص، فإن المانع له من ذلك هو الحياء وهو غير موجود، ومن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر.