وعندما تقدم به العمر؛ أصبح لا يستطيع مغادرة لندن بسهولة، واستطاع أن يتفق مع أحد مدربي الكلاب على أن يدرب له كلبًا إذا رأى زوجته عابسة هجم عليها وأخذ ينبح..! ولا يتوقف الكلب عن النباح إلا إذا توقفت الزوجة عن العبوس..! ونجحت هذه الطريقة الغريبة، وعبثًا حاولت الزوجة أن تطرد من البيت هذا الكلب الذي يتدخل فيما لا يعنيه)..! * يضيف مصطفى أمين: (وذات يوم؛ دعاني الصديق إلى العشاء معه في بيته الأنيق في حي مايفير، وقصت علي الزوجة قصة هذا الكلب وقالت: إنه جعل حياتها لا تطاق..! لقد أفقدها الكلب حريتها في أن تعبس وأن تكشر كما تشاء..! ودهشت من تمسك الزوجة بحقها في العبوس، وذهلت أنها تقول أنها تستريح وهي عابسة الوجه، وأنها تشعر بألم في فكها عندما تبتسم أو تضحك..! وظننت أن السيدة تمزح، ولكنها أكدت لي أنها لا تتصنع العبوس، وأنه أصبح طبيعة فيها، وأنها وهي تلميذة في السابعة من عمرها؛ ضحكت في الفصل، فعاقبتها المعلمة عقابًا صارمًا بقي راسبًا في روحها طول حياتها، وأصبحت إذا حاولت أن تضحك؛ أحست بآلام حادة في وجهها وفكها وأسنانها، وذرفت عيناها الدموع..! أنت كالكلب في حفاظك للود - ويكي مصدر. وقال الزوج: إنه صحب زوجته إلى طبيب نفساني في لندن وقال له الطبيب: إنه لا يمكن شفاء الزوجة من عبوسها الدائم..!
- أنت كالكلب في حفاظك للود - علي بن الجهم - الديوان
- أنت كالكلب في حفاظـك للـود و كالتيس في قراع الخطوب أنت كالدلو لا عدمنـاك دلـواً من كبار الدلا كثيـر الذنـوب- لمن هذه الابيات وفي من قيلت؟
- أنت كالكلب في حفاظك للود - ويكي مصدر
أنت كالكلب في حفاظك للود - علي بن الجهم - الديوان
أليس للإلهام بيئة وهوية؟ أجل، له مكان وزمان، تاريخ وجغرافيا، خلفيات ثقافية متراكبة متراكمة، منظومات قيم عقدية وجمالية وأشياء أخرى. منذ بزغت شمس الشعر في آفاق القرائح، والإلهام هكذا يلوح في الواجهة فرداً، وهو في الكواليس حشد من القوى العاملة في مصنع الشعر. لهذا نرى أشعار الأمم والشعوب متباينة الأجواء والأنواء والأهواء، من القطبين إلى خط الاستواء. عن المسافات الجغرافية الشاسعة بين البلدان واللغات، لا تسأل، فتلك تنقلك من عوالم إلى عوالم. أين الجبال من البحار من الصحارى من الغابات؟ قصة علي بين الجهم (القلم يراها مصنوعة بتكلف احترافي فائق)، تحاول إقناعنا بأن الشاعر يشبه الروبوت الذي تغير برمجته ببرمجية مختلفة. أنت كالكلب في حفاظك للود - علي بن الجهم - الديوان. هذا الشاعر مدح المتوكل بقوله: «أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوبِ»، فأسكنه الخليفة إلى جوار دجلة، فعاش في بغداد ليالي الأنس في فيينا، وبعد ستة أشهر دعاه المتوكل، فكان مطلع المديح: «عيون المها بين الرصافة والجسرِ.. جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري»، فقال الخليفة: «أدخلناك القصر لترقّ فذبت». اختلافات بيئات الإلهام في مختلف البلدان تنجم عنها فوارق كبيرة شتى. لكن الاستثناءات قائمة.
أنت كالكلب في حفاظـك للـود و كالتيس في قراع الخطوب أنت كالدلو لا عدمنـاك دلـواً من كبار الدلا كثيـر الذنـوب- لمن هذه الابيات وفي من قيلت؟
* بل هي مهمات لا مهمة واحدة على ما يبدو.. كم من الكلاب تقوم حارسة أمينة على أملاك الناس في مدنهم وقراهم وبواديهم، فلا تغدرهم ولا تخونهم، وكم من الناس؛ إذا تولوا هذه المهمّة؛ خانوا وغدروا. وكم من الكلاب وقفت دون تهريب المخدرات والمحظورات في الموانئ والمطارات، وأنقذت حاستها الشمية ملايين البشر من كثير من المهلكات. كم وكم.. حتى قيل في هذا الحيوان الأليف أمثال وأشعار، وكتب كثيرون يذكرون الكثير من قصص إخلاصه ووفائه مع الإنسان. وحتى تجرأ الشاعر علي بن الجهم، فوقف أما الخليفة العباسي المتوكل مادحًا فيقول: أنت كالكلب في حفاظك للودِّ وكالتيس في قراع الخطوبِ * ومن هؤلاء الذين أوردوا عجائب وفاء وغرائب هذا الحيوان: (أبو بكر بن المرزبان ت 309هـ)، فكتابه: (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)؛ كتاب غريب عجيب طريب، وفيه من القصص ما يصل إلى درجة الخيال. أنت كالكلب في حفاظـك للـود و كالتيس في قراع الخطوب أنت كالدلو لا عدمنـاك دلـواً من كبار الدلا كثيـر الذنـوب- لمن هذه الابيات وفي من قيلت؟. ومع كل ذلك؛ ظل الناس يتسابُّون بينهم، وينتقص بعضهم من بعض فيقول: فلان كلب..! * اقتنيت هذا الكتاب مطلع العام 1407هـ. قرأته وتأثرت بلغته وأدبه وقصصه، وربطت بينه وبين قصة خبرية أعددتها لصحيفتي السابقة (الندوة) منتصف التسعينيات الهجرية تحت عنوان: (علاقة الإنسان بالكلب في خطر)، واعتمدت فيه على تقرير صحي من مستشفى الصحة الصدرية بالطائف، يشير إلى علاقة الكلاب ببعض الأمراض الصدرية التي تظهر على الناس وقتها.
أنت كالكلب في حفاظك للود - ويكي مصدر
ويلاحظ في أرجوزة أبي فراس أنها تعتمد على فكرة وغرض واحد وهو الصيد، أي على وحدة الموضوع مع تنوع القافية ليستطيع الشاعر أن يطيل بالقول دون أن تقف القافية حائلاً دون ذلك. ويقول أبو فراس في هذه المزدوجة واصفاً البازي بقوله: جئت بباز حسن وهبرج دون العقاب وفويق الزمج زين لرائيه وفوق الزين ينظر من نارين في غارين كأن فوق صدره والهادي أثار من الذر في الرماد ذي منسر فخم وعين غائرة وفخذ ملء اليمين وافرة أما أبو نواس فإن أكثر طردياته فتدور حول صيد الكلاب. وقد كان القدماء يصيدون على الفرس ويقبحون في الغالب كلاب الصيد.
أهذا هو نفسه ذاك الأعرابي الجلف الذي شتم الخليفة (بلا قصد)؟ لكن الأمر مفهوم. لقد تغيرت بيئة ابن الجهم فتغيرت نفسيته وعقليته. خرج من الصحراء القاسية الجافة إلى بغداد الرقيقة الجميلة، وأزال هذا الجفاف والغلظة من قريحته ووضع مكانها شذى الأزهار ونفح الأنهار. إن تأثير البيئة بالغ على النفسية، ولهذا تكون الإجازة أنفع إذا صاحَبها تغيير للبيئة، ولا يجب أن يذهب الشخص لمكان أجمل مما هو فيه، فهناك الكثير ممن يأتون من مناطق حسناء مثل شرق آسيا وأوروبا ويذهبون للجبال والصحارى ويستمتعون! لتعرف أثر تغيير البيئة على النفسية (بل حتى على الطباع! )، انظر لِما حدث في تجربة ستانفورد الشهيرة والمقلقة. في عام 1970م طبق أستاذ في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا تجربة، بعد سنين طويلة من وحشية تعامل الحراس مع السجناء في السجون الأمريكية، أراد فيها معرفة أثر الظروف على النفسية البشرية: هل الحراس أشرار أصلاً؟ أم يكتسبون الشر من عملهم؟ طلب متطوعين، وصنعوا مثل السجن، وجعل بعضهم يلعب دور حارس السجن والبقية دور سجناء، مكثوا في زنزاناتهم (الزنزانة غرفة) طيلة التجربة. الحراس تصرفوا كالحراس: يستقبلون السجين، يعرّونه، يرشونه بمعقم، يأخذون أغراضه، يعطونه لباس السجن، يقودونه لغرفته، إلى آخر ذلك.