سؤال: ما حكم [عدم] إنكار المنكر هل هو صبر على البلاء وكفى، وما صحة الأحاديث الواردة في الترغيب في الصبر على البلاء؟
جواب: ليس من الصبر على البلاء عدم إنكار المنكر، فالواجب عند وجود البلاء بالمنكرات هو إنكارها باليد أو باللسان أو بالقلب حسب الطاقة، لقول الله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ الآية [التوبة: 71]، وعلى المسلمين عند الابتلاء بالمنكرات سواء كان ذلك في البيت أو في الطريق أو في غيرها الإنكار ولا يجوز التساهل في ذلك. أما الأحاديث الواردة في الصبر على البلاء فهي كثيرة، ومنها قوله ﷺ: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل الحديث وهو حديث صحيح، ومنها قوله ﷺ مثلا: عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له رواه الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب بن سنان . قال ﷺ: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل. وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155 - 157] وقال سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10] والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، نسأل الله أن يجعلنا وإخواننا من الصابرين إنه جواد كريم.
أي الناس أشد بلاء
وقال ابن كثير رحمه الله:
" أَيْ: نَخْتَبِرُكُمْ بِالْمَصَائِبِ تَارَةً ، وَبِالنِّعَمِ أُخْرَى،
لِنَنْظُرَ مَنْ يَشْكُرُ وَمَنْ يَكْفُرُ، وَمَنْ يَصْبِرُ وَمَنْ يَقْنَطُ ،
كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَة َ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَنَبْلُوكُمْ) ،
يَقُولُ: نَبْتَلِيكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ، بِالشِّدَّةِ
وَالرَّخَاءِ ، وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْحَلَالِ
وَالْحَرَامِ ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ ". انتهى من " تفسير ابن كثير" (5/ 342). وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لهذا الحديث:
" (أشد الناس بلاءً الأنبياء) لأن الله سبحانه وتعالى ابتلاهم بالنبوة ، وابتلاهم
بالدعوة إلى الله ، وابتلاهم بقوم ينكرون ويصفونهم بصفات القدح والذم ، ولكن هذا
الابتلاء هو في الواقع ؛ لأن كل ما أصابهم من جرائها فهو رفعة في درجاتهم.
أشد الناس بلاء الأنبياء
5- بالصبر والتقوى لا يضر كيدُ العدو؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]. [1] الدارمي (2783)، كتاب الرقاق، وأحمد (1494)، والترمذي (3289) دون السؤال، وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي هريرة وأخت حذيفة بن اليمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الناس أشد بلاء؟ قال: ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل))؛ حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1/142). [2] تحفة الأحوذي (13/75). [3] مسلم ( 2999). أشد الناس بلاء الأنبياء. [4] الترمذي (1021)، وأحمد (20256)، وحسنه الألباني في الصحيحة (1408). [5] متفق عليه: البخاري (1304)، مسلم (924). [6] أبو داود (1321)، وأحمد (24000)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4703). [7] جزء من حديث عبدالله بن مسعود المتفق عليه: البخاري (5667)، ومسلم (2571). [8] جزء من حديث عند أحمد ( 2804)، صححه الألباني في ظلال الجنة (315) من حديث ابن عباس.
أشد الناس بلاء هم
وفي الحديثِ: أنَّ البلايا والمصائِبَ كَفَّاراتٌ للذُّنوبِ والخَطايا. وفيه: بَيانُ أنَّ الابتِلاءَ مِن شأنِ الصَّالحين.
اشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون
وقد رُوِيَ عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وإنما يعطي الإيمان والدين من أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه فمن ابتلي بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه مبغوض عند الله على حسب حاله. ثم أيضا قد يكون الابتلاء استدراجا فقد يبتلى بالنعم يستدرج بها حتى يقع في الشر وفيما هو أسوأ من حاله الأولى قال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم: 44 - 45] روى عن رسول الله ﷺ أنه قال: إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب على معصيته فاعلم أنما هو استدراج ثم قرأ قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 44] أي آيسون من كل خير والعياذ بالله. ويقول جل وعلا: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون: 55 - 56]. الحكمة من ابتلاء الأنبياء - الإسلام سؤال وجواب. وقد يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة، منها رفع الدرجات وحط الخطايا كما تقدم بيان ذلك [1].
إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم، وإن الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه)) [5]. واعلم - أخي - أن كل شيء له أسباب تُعِين على فعله، وكما قيل: إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم، وإنما الصبر بالتصبُّر. وها هي العوامل المساعدة على الصبر:
1- التوكل على الله، واستشعار عظمته، فإنه مَن يتوكل على الله فهو حسبه، قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]. 2- المحافظة على الفرائض، وأداؤها على أكمل وجه، وعلى الصفة التي كان يؤدي بها الرسول، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حَزَبَه شيءٌ، فزع إلى الصلاة؛ فعن حذيفة قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر، صلَّى" [6]. 3- الإكثار من قراءة القرآن، وذِكر الله دائمًا. 4- قراءة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسير السلف الصالح؛ لما فيها من العبر والعظات. أشد الناس بلاء في الدنيا. 5- مصاحبة الأخيار من الناس الذين يعيشون على فعل الخيرات. واعلم - أخي- أن من جدَّ وجَدَ؛ فمن صبر فله ثمار الصبر، وهي:
1- إحساس العبد بضعفه، وقلة حيلته، واستشعار عبوديته لربه - جل وعلا - فينال راحة نفسية وثباتًا مع الرضا بما أصابه.