ثم أقسم قسمًا ثانيًا على صحة القرآن، فقال: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} أي: ترجع السماء بالمطر كل عام، وتنصدع الأرض للنبات، فيعيش بذلك الآدميون والبهائم، وترجع السماء أيضًا بالأقدار والشئون الإلهية كل وقت، وتنصدع الأرض عن الأموات، { إِنَّه} أي: القرآن { لَقَوْلٌ فَصْلٌ} أي: حق وصدق بين واضح. تفسير سوره الطارق للاطفال مكتوبه. { وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} أي: جد ليس بالهزل، وهو القول الذي يفصل بين الطوائف والمقالات، وتنفصل به الخصومات. { إِنَّهُمْ} أي: المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، وللقرآن { يَكِيدُونَ كَيْدًا} ليدفعوا بكيدهم الحق، ويؤيدوا الباطل. { وَأَكِيدُ كَيْدًا} لإظهار الحق، ولو كره الكافرون، ولدفع ما جاءوا به من الباطل، ويعلم بهذا من الغالب، فإن الآدمي أضعف وأحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده. { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} أي: قليلًا، فسيعلمون عاقبة أمرهم، حين ينزل بهم العقاب.
- الدرس26 من التعليق على تفسير ابن كثير سورة الطارق - شبكة الكعبة الاسلامية
الدرس26 من التعليق على تفسير ابن كثير سورة الطارق - شبكة الكعبة الاسلامية
[١٢] يُقسم الله بالسماء على صدق القرآن الكريم وأنّه كلام الله البعيد عن الهزل. إمهال الكافرين للمجازاة يوم القيامة
قال الله -تعالى-: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً* فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) ؛ [١٣] يتحدّث الله في هذه الآيات عن الكافرين الذين يُشكّكون بصدق كلامه، فالضمير في كلمة إنّهم عائدٌ عليهم، وهم لم يُكذّبوا كلام الله فقط، بل دبّروا المكائد وخطّطوا ليُعرِضوا النّاس عن كلام الله -تعالى-، وليُطفئوا نور الله. [١٢]
ولكنّ الله -جلّ في عُلاه- يقابل مكيدتهم بكيدٍ أكبر، فيُمهلهم لأنّهم مهما بلغوا من كيدٍ وحقدٍ، إلّا أنّ قدراتهم لا تُساوي شيئاً أمام عظمة الله -تعالى- وجبروته؛ ولذلك قال -تعالى-: (فمهّل الكافرين) ، [١٤] وهذا نوعٌ من التهديد والوعيد؛ أي اتركهم رُويداً وقليلاً ولا تستعجل على هلاكهم، فإنّ الله -تعالى- سيتولّاهم، [١٢] وفي تلك الآيات تصبيرٌ من الله -تعالى- للنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وللمؤمنين بأنّ الله -تعالى- يرعاهم، وأنَّ كيد ومكر الكافرين ضعيف مقابل قوة وقدرة الله. الدرس26 من التعليق على تفسير ابن كثير سورة الطارق - شبكة الكعبة الاسلامية. [١] يُبيّن الله -تعالى- أنّه يُمهل الكافرين ولكنّه يكيد لهم وسيعاقبهم على كفرهم وجحودهم.
معاني المفردات:
﴿ والطارق ﴾: قَسمٌ بالنجم يطلع ليلاً، ويختفي نهارًا. ﴿ الثاقب ﴾: المضيء. ﴿ حافظ ﴾: ما كل نفس إلا عليها حافظ من الملائكة. ﴿ من ماء دافق ﴾: من المني المتدفِّق. ﴿ الصلب ﴾: ظهر كل من الرجل والمرأة. ﴿ الترائب ﴾: عظام صدر كل من الرجل والمرأة. ﴿ تبلى السرائر ﴾: تكشف خبايا النفوس. ﴿ ذات الرجع ﴾: ذات المطر. ﴿ الصدع ﴾: النبات الذي تنشق عنه الأرض. ﴿ إنه لقول فصل ﴾: إن هذا القرآن فاصل بين الحق والباطل. ﴿ فمهل الكافرين ﴾: لا تستعجل بالانتقام منهم. ﴿ رويدًا ﴾: قليلاً وهو تهديد لهمب العذاب الشديد. مضمون سورة "الطارق":
1- الدليل على قدرة الله - عز وجل - على إمكان البعث، وبيان أن كل إنسان عليه حرَّاس من الملائكة. 2- كشف الأسرار في الآخرة وضعف الإنسان الذي لا يجد هناك من ينصره. 3- الحديث عن القرآن العظيم وأنه صدق، وتهديد الكفرة المجرمين بالعذاب الأليم. دروس مستفادة من السورة:
1- تنبيه الغافلين بأن هناك إلهًا واحدًا قادرًا، وأن هناك حسابًا وجزاءً، وعذابًا شديدًا أو نعيمًا مقيمًا. 2- القرآن الكريم جد لا هزل فيه، وصدق كله؛ لأنه من عند الله - سبحانه وتعالى - وهو فاصل بين الحق والباطل. 3- الله - سبحانه وتعالى - يمهل الظالمين، ولا يعجل بعذابهم؛ لأنه سيعاقبهم يوم القيامة.