قالَ: ((يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ، فمَن شاءَ أقامَ، ومن شاءَ أزاغَ))، فتلا معاذٌ: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [آل عمران: 8]. وقال رب العالمين: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 99]. قلت: وإن الثقة بالله، والتعلق به، لمفيد للعبد في تحقق المطلوب؛ ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وإذا حصل له ذلك، زاده ذلك يقينًا بربه، وثقة به، فكلما حصل له مكروه، أو نزلت به نازلة، انصرف قلبه إلى ربه، وتعلق بخالقه، وقطع بذلك طمع الشيطان الرجيم في إيقاعه في الحفرة التي أوقع فيها الجم الغفير من الخلق، بل لم يسلم منها: عاقل وغير عاقل، عالم وغير عالم، وهي حفرة الركون إلى الأسباب، وترك الفاعل الحقيقي للفعل، وهو شرك خفي قلَّ أن يسلم منه أحد، فإذا تعلق العبد بربه، ولم يهجر الأسباب المفضية إلى الغاية،لم يكن له سبيل إلى التعلق بغير الله رب العالمين.
اللهم اهدنا الصراط المستقيم
الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. إياك نعبد وإياك نستعين. إهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم. غير المغضوب عليهم ولاالضالين. )
[6] مجموع فتاوى العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله - مصدر الكتاب: موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (24/168). مرحباً بالضيف
اللهم اهدنا الصراط المستقيم خواطر
وقال ابن باز - رحمه الله - [5]: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾، والمستقيم الذي ليس فيه عوج، قال الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ ﴾ [الشورى: 52، 53]؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بعثه الله ليهديَ إلى صراط مستقيم، وهكذا الرسل جميعًا، كلهم بعثوا ليهدوا إلى الصراط المستقيم يعني: يدعون الناس إلى الصراط المستقيم وهو توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند حدوده، هذا صراط الله المستقيم [6]. [1] انظر: الجدول في إعراب القرآن محمود بن عبدالرحيم صافي (1/27). {اهدنا الصراط المستقيم}. [2] انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي - نشر مؤسسة الرسالة (ص/39). [3] انظر: الفوائد؛ لابن قيم الجوزية - الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت ص/19. [4] انظر تفسير القرآن لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين - رحمه الله- (2/9).
وقوله: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6] يتضمَّن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم ، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحرافٌ إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الطرف الآخر انحرافٌ إلى الغضب الذي سببُه فساد القصد والعمل" [3].
اللهم اهدنا الصراط المستقيم اعراب
ثم تأتي الآية الثانية ليوضح الله تعالى أن استجابة "اهدنا الصراط المستقيم" هي كتاب بأكمله وهو القرآن الكريم "ذلك الكتاب - لا ريب - فيه هدىً للمتقين""
لكل من يدعو الله بالهداية في أمري الدنيا والآخرة، الدعاء ، بالهداية فقط وليس معناه حدوث الهداية، بل اتباع الهداية هو حدوث الهداية في فاتحة الكتاب) يقول الله: { اهدنا الصراط المستقيم}. لكن هل انتبه أحدنا أن استجابة هذا الدعاء هو القرآن بأكمله، كي تتبعه، فيهديك الله به الصراط المستقيم؟ فالآية الأولى من الفاتحة ، الله ينبهك أن الأمر، أمر الهداية يحتاج إلى القراءة والكتابة، والتي لولا أن عرف الإنسان الحروف - وليس اللغة ولا لأصوات - لما استطاع الوصول الذي يتطلب الاتباع والاجتهاد في الدين والاستفادة بخبرة من سبقونا والابتكار في الدنيا ( 1).
كالنصارى الذين قاموا بالتعبد للمسيح، وصرف خالص حق الله، ورفعه عن الموضع الذي وضعه الرب فيه، إلى الألوهية التي لا تليق بمخلوق كائنًا مَن كان، وإن كان المسيح، بل المسيح نفسه لا يقبل التعبد له أبدًا، كما صرحت الآية بذلك: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والَّذي نفسي بيدِه، لا يسمعُني أحدٌ من هذه الأمَّةِ: يهوديٌّ أو نصرانيٌّ، ثمَّ يموتُ ولا يؤمنُ بالَّذي أُرْسلتُ به، إلَّا كان من أصحابِ النَّارِ))؛ أخرجه مسلم. قلت: ولهذا قال بعض السلف الصالح: بأنه على المرء أن يسير إلى ربه بين الخوف والرجاء، ومَثَّلَ له العلامة ابن القيم رحمه الله بالطائر، فإنه لا يمكنه التحليق بفقد جناح منهما، قال الإمام أحمد: (ينبغي للمؤمنِ أنْ يكونَ رجاؤه وخوفُه واحدًا)؛ انتهى، ذكره ابن رجب في التخويف من النار، ص٣١.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
هل الزنا من الكبائر السبع
(رواه البيهقي و الحاكم و قال صحيح على شرط البخاري و مسلم). و قال المسيح – عليه السلام – " لا يكون البطالون من الحكماء ، ولا يلج ( لا يدخل) الزناة ملكوت السماء ". و قال أبو هريرة – رضى الله عنه – " من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ". فاللهم طهر القلوب و حصن الفروج و اهدنا سبل السلام و جنبنا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
قال: " أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك "، قلت: ثم أيٌّ؟! قال: أن تزني بحليلة جارك "(أخرجه الشيخان). أيها المسلمون: ولجريمة الزنا مفاسد كبيرة وعواقب وخيمة:
منها: أن الإيمان يرتفع عن الزاني حال زناه، قال -عليه الصلاة والسلام-: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ". متفق عليه. جريمة الزنا والخلاص من آثاره. وقال: " إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظلة، فإذا انقلع رجع إليه الإيمان "(أخرجه أبو داود والحاكم). قال الرازي: "الزنا اشتمل على أنواع من المفاسد:
أولها: اختلاط الأنساب واشتباهها، فلا يعرف الإنسانُ أن الولدَ الذي أتت به الزانية أهو منه أو من غيره، فلا يقوم بتربيته، ولا يستمر في تعهده؛ وذلك يوجب ضياع الأولاد؛ وذلك يوجب انقطاع النسل، وخراب العالم. وثانيها: أنه إذا لم يوجد سبب شرعي لأجله يكون هذا الرجل أولى بهذه المرأة من غيره لم يبق في حصول ذلك الاختصاص إلا التواثب والتقاتل؛ وذلك يفضي إلى فتح باب الهرج والمرج والمقاتلة، وكم سمعنا من وقوع القتل الذريع بسبب إقدام المرأة الواحدة على الزنا! وثالثها: أن المرأة إذا باشرت الزنا، وتمرنت عليه يستقذرها كل طبع سليم، وكل خاطر مستقيم؛ وحينئذ لا تحصل الألفة والمحبة، ولا يتم السكن والازدواج؛ ولذلك فإن المرأة إذا اشتهرت بالزنا تنفر عن مقارنتها طباع أكثر الخلق.