الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
في هذه الليلة أختم الحديثَ على ما جاء من الأذكار التي تُقال بين السَّجدتين مما أورده المؤلفُ، وذلك ما جاء عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: أنَّ النبي ﷺ كان يقول بين السَّجدتين: اللهم اغفر لي، وارحمني، واجبرني، واهدني، وارزقني [1] ، وفي روايةٍ: أنَّه كان يقول ذلك في صلاة الليل، ولفظه: ربِّ اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارزقني، وارفعني [2]. حكم قول: ربِّ اغفر لي وارحمني وارزقني وتب عليَّ واسترني في الجلسة بين السجدتين | سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. فهذا الحديث أخرجه أصحابُ السُّنن إلا النَّسائي، وألفاظه مُتقاربة، وبينها اختلافات يسيرة؛ ففي الرِّواية الأولى التي أوردها: اللهم اغفر لي، وارحمني ، قال: واجبرني ، لكن في بعض الرِّوايات بدلاً من "واجبرني": عافني، واهدني، وارزقني ، وفي الرِّواية الأخرى في أوَّله: ربِّ اغفر لي ، هناك: اللهم اغفر لي ، وفيه بعد "واجبرني" قال: وارزقني ، ثم قال: وارفعني ، وليس فيه: "واهدني". هذا الحديث صحَّحه الحاكمُ، وحسَّنه الشيخُ شعيب الأرنؤوط، وصحَّحه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحم الله الجميع. فلاحظوا هذه الجُمل في هذا الدُّعاء الذي يُردّد ويُقال بين السَّجدتين في صلاة الليل، ونحن نعلم أنَّ النبي ﷺ كان يُصلي صلاةً طويلةً، ومضى في الليلة الماضية أنَّ جلوسَه كان قريبًا من قيامه، فهذا يعني: أنَّه كان يُردد هذا الدُّعاء: اللهم اغفر لي ، يا الله، اغفر لي.
قول "رب اغفر لي" بين السجدتين
وارزقني يدخل فيه الرزق: الهداية رزق، الرزق الذي يكون للقلوب، قوت القلوب، ويدخل فيه العلم، فهو رزقٌ من الله؛ ولذلك فإنَّ الإنسان قد يعكف زمانًا طويلاً على العلم، ولكنَّه لا يخرج بكبير طائلٍ، وهذا أمرٌ مُشاهَدٌ، فهذا العلم رزقٌ من الله، وله أسبابه الحسيَّة والمعنوية. ثم أيضًا يدخل في ذلك الرزق بالمال، وما يُوهَب العبد من العطاء الدّنيوي مما يستغني به عن الناس، فالله هو الرَّزاق، فيتوجّه إليه بذلك، يملك خزائن السَّماوات والأرض، فيقول: يا ربّ، ارزقني رزقًا حسنًا. ويدخل في ذلك الرِّزق الأُخروي، كلّ ذلك داخلٌ فيه، وهذا من أجمع الأدعية. قول "رب اغفر لي" بين السجدتين. ولو أنَّ العبد يستحضر هذه المعاني وهو يقولها في صلاته؛ فإنَّ ذلك سيكون بالغ الأثر، مُستوجبًا للخشوع وحضور القلب. وما جاء في الرِّواية الأخرى حينما يقول: واجبرني [7] ، هذا جاء في بعض روايات الحديث؛ كما عند الترمذي والبيهقي، وعرفنا ما معنى الجبر: جبر الكسير، جبر الضَّعيف، اجبر ضعفي، اجبر قلبي، فإذا جبر اللهُ عبدًا فإنَّ ضعفَه يتحوّل إلى قوةٍ، وحزنَه يتحوّل إلى أنسٍ، وراحةٍ، وسرورٍ، وسعادةٍ، وتكون أحوالُه إلى سدادٍ وكمالٍ. فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يجبر أصحابَ القلوب المنكسرة، ويجبر الفقير فيُغنيه، ويُوليه، ويُعطيه.
حكم قول: ربِّ اغفر لي وارحمني وارزقني وتب عليَّ واسترني في الجلسة بين السجدتين | سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
وعند الترمذي عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي. وفي مسند أحمد من حديثه ـ رضي الله عنه ـ واصفا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْفَعْنِي، وَارْزُقْنِي، وَاهْدِنِي. وفي سنن أبي داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي. فبان بما ذكرنا من الروايات أن جميع تلك الألفاظ واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها صحيحة ـ كما ذكر الألباني ـ وتقديم بعضها على بعض لا حرج فيه، والإتيان بهذا الذكر تارة وهذا تارة -كما قال الألباني- حسن، والجمع بينهما حسن أيضا لا حرج فيه. والله أعلم.
العمر قصير، فيحتاج العبدُ إلى هذه الهدايات: الهداية إلى تفاصيل الصِّراط، الهداية إلى الأعمال الزَّاكية الصَّالحة التي يُحبُّها الله ، هداية العلم. فيحتاج أيضًا إلى هداية التَّوفيق، فيكون عاملاً بما علم، يُعان على العمل بما تعلم، هذا بالإضافة إلى التَّثبيت على الصِّراط في هذه الحياة الدنيا إلى الممات، ثم يحتاج إلى هدايات أخرى: هداية عند الموت، وهداية عند سؤال الملكين، وهداية عند الحساب، ويحتاج أيضًا إلى هدايةٍ إلى الصِّراط، وإلى هدايةٍ على الصِّراط، ويحتاج إلى هدايةٍ إلى باب الجنَّة، ويحتاج إلى هدايةٍ إلى منزله في الجنَّة؛ ولهذا قال الله : وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ [محمد:4-5]، يهديهم بعدما قُتلوا، يهديهم إلى ماذا؟ فهذه هدايات بعد الموت. فهنا إذا قال العبدُ: "اهدني" تدخل فيه الهدايات التي تكون في هذه الحياة: هداية الإرشاد، وهداية التَّوفيق، وتدخل فيه أيضًا الهدايات التي تكون بعد ذلك، فالعبد لا يستغني عن هداية الله له، هو مُفتقرٌ إليها كلَّ الافتقار؛ لأنَّه إزاء أعمالٍ وعبادات يتقرّب بها إلى الله، في كلِّ أحواله يحتاج إلى هدايةٍ، هو أمام اختلافٍ كبيرٍ أمام الناس يحتاج إلى هدايةٍ، هو أمام ازدحامٍ لأعمالٍ من المعروف، أعمال صالحة لا يتَّسع لها الزَّمان، فيحتاج إلى هدايةٍ، ما الأفضل فيقضي فيه العمر؟ فإنَّ العمر سرعان ما يرتحل.
أن الكذب يوصل إلى الفسق والفجور، فتصير أقواله وأعماله كلها على خلاف الحقيقة، خارجة عن طاعة الله، والخروج عن طاعته هو الهاوية التي تقود صاحبها وتزج به في النار. المراجع:
صحيح البخاري، طبعة مصورة عن النسخة السلطانية، موافقة لترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت. توضيح الأحكام من بلوغ المرام، الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، ط مكتبة الأسد الإسلامية، الطبعة الخامسة. وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا | موقع البطاقة الدعوي. منحة العلام في شرح بلوغ المرام، الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان، ط دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى. تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام، الشيخ صالح الفوزان بن عبد الله الفوزان، طبعة الرسالة. فتح ذي الجلال والإكرام، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ط المكتبة الإسلامية، الطبعة الأولى. سبل السلام بشرح بلوغ المرام، للإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني، ط دار الحديث. مفردات ذات علاقة:
الصدق
ترجمة نص هذا
الحديث متوفرة باللغات التالية
العربية
- العربية
الإنجليزية
- English
الفرنسية
- Français
الإسبانية
- Español
التركية
- Türkçe
الأردية
- اردو
الأندونيسية
- Bahasa Indonesia
البوسنية
- Bosanski
الروسية
- Русский
البنغالية
- বাংলা
الصينية
- 中文
الفارسية
- فارسی
وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا | موقع البطاقة الدعوي
وقوله: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا»، وفي رواية: «وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا». والصِّدِّيق في المرتبة الثانية من مراتب الخَلْق من الذين أنعم الله عليهم؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴾ [النساء: 69]؛ فالرجل الذي يتحرى الصدق يُكتب عند الله صديقًا، ومعلوم أن الصِّدِّيقية درجة عظيمة لا ينالها إلا أفذاذ من الناس، وتكون في الرجال وتكون في النساء، قال الله تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾ [المائدة: 75]. وأفضل الصدِّيقين على الإطلاق أصدقهم؛ وهو أبو بكر رضي الله عنه عبد الله بن أبي قحافة، الذي استجاب للنبي صلى الله عليه وسلم حين دعاه إلى الإسلام، ولم يحصل عنده أي تردد وأي توقف، بمجرد ما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام أسلم، وصدَّق النبي صلى الله عليه وسلم حين كذبه قومه، وصدَّقه حين تحدث عن الإسراء والمعراج، وكذبه الناس، وقالوا: كيف تذهب يا محمد من مكة إلى بيت المقدس وترجع في ليلة واحدة ثم تقول: إنك صعدت السماء؟ هذا لا يمكن، ثم ذهبوا إلى أبي بكر وقالوا له: أما تسمع ما يقول صاحبك؟ قال: ماذا قال؟ قالوا: إنه قال كذا وكذا!
وسواء كان هذا أو هذا؛ فإن الكذب لا يجوز إلا في هذه الثلاث على رأي كثير من أهل العلم، وبعض العلماء يقول: الكذب لا يجوز مطلقًا؛ لا مزحًا، ولا جِدًّا، ولا إذا تضمن أكل مال أو لا. وأشد شيء من الكذب أن يكذب ويحلف ليأكل أموال الناس بالباطل؛ مثل أن يدَّعي عليه بحق ثابت، فينكر، ويقول: والله ما لك عليَّ حق، أو يدَّعي ما ليس له، فيقول: لي عندك كذا وكذا، وهو كاذب، فهذا إذا حلف على دعواه وكَذَب؛ فإن ذلك هو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم تغمسه في النار والعياذ بالله. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ؛ لَقِيَ اللهُ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» [3] ؛ فالحاصل أن الكذب حرام، ولا يجوز للإنسان أن يكذب مطلقًا، لا هازلًا ولا جادًّا، إلا في المسائل الثلاث، على خلاف بين العلماء في معنى الحديث السابق. [1] أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607). [2] أخرجه أبو داود (4990). حديث عن الصدق وترك الكذب ’ موضوع عن الصدق والحياة | صقور الإبدآع. [3] متفق عليه: أخرجه البخاري (4594)، ومسلم (138).
حديث عن الصدق وترك الكذب ’ موضوع عن الصدق والحياة | صقور الإبدآع
ومن العجب العجاب أن ترى من يكذب بأسلوب علمي يقدمه لناس على أنه اكتشاف ينبغي الاحتفاء به ، والأعجب منه من يجد من يتقبل ذلك ، والأعجب من كل ذلك أن ترى من يقدم هذا الاكتشاف الكاذب على الحقائق العلمية التي لا يتطرق إليها الشك. وها أنت تسمع من يجعل مما يسمى البرمجة اللغوية العصبية علما يروج له ويقدمه للناس على أنه اكتشاف عصري لم يسبق إليه أحد ناهيك عن أولئك الذين يجيدون حياكة فن الكذب بطريقة إعلامية جذابة ، تثير انتباه العامة فينجذبون إليها بإيمان ويقين ،فالبعض منهم يظهر على هذه القنوات مدعيا القدرة على علاج جميع الأمراض بدون استثناء من أخطر الأمراض إلى أهونها. وحتى يتم تأكيد ذلك فإنه يقدم شهادات أولئك الذين وجدوا الشفاء على يديه وقد كانوا من قبل على شفا الموت. ومهما حاولت أن تقنعهم بأن الأمر كله من أوله إلى آخره كذبة كبرى لن يصدقوك. و الكذب في البيت بذرة خبيثة تنبت شجرة خبيثة بثمار خبيثة يقطفها الأبناء ليكونوا ثمرة مرة يحصدها المجتمع. إن للكذب آثارا سلوكية سيئة قد تبلغ بصاحبها مبلغ النفاق _ والعياذ بالله _ لأن الكاذب يتلون في أحواله ويظهر بأوجه متعددة ، فيداري هذا ويجامل ذاك وينافق آخر وهو في كل ذلك يحرص على مصالحة الذاتية فقط.
واعلم أن الخبر يكون باللسان ويكون بالأركان. أما باللسان فهو القول، وأما بالأركان فهو الفعل، ولكن كيف يكون الكذب بالفعل؟! إذا فعل الإنسان خلاف ما يبطن فهذا قد كذب بفعله؛ فالمنافق مثلًا كاذب؛ لأنه يظهر للناس أنه مؤمن، يصلي مع الناس ويصوم مع الناس، ويتصدق، ولكنه بخيل، وربما يحج، فمن رأى أفعاله حكم عليه بالصلاح، ولكن هذه الأفعال لا تنبئ عما في الباطن، فهي كذب. ولهذا نقول: الصدق يكون باللسان، ومتى طابقت أعمال الجوارح ما في القلب فهي صِدْق بالأفعال. ثم بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام عندما أمر بالصدق عاقبتَه، فقال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ». «الْبِرُّ»؛ كثرة الخير؛ ومنه من أسماء الله: «البَرُّ»؛ أي: كثير الخير والإحسان عز وجل. فالبر يعني كثرة الخير، وهو من نتائج الصدق. وقوله: «يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ»؛ فصاحب البر - نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم - يهديه ربه إلى الجنة، والجنة غاية كل مطلب؛ ولهذا يؤمر الإنسان أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار؛ ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].
شرح حديث ابن مسعود: إن الصدق يهدي إلى البر
مقالات متعلقة
تاريخ الإضافة: 14/12/2019 ميلادي - 17/4/1441 هجري
الزيارات: 147120
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ، وَإِنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا». متفق عليه [1]. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله للصدق، فقال: باب الصدق، وذكر آيات سبق الكلام عليها. أما الأحاديث؛ فقال: عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ... ». قوله: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ»؛ أي: الزموا الصدق؛ والصدق: مطابقة الخبر للواقع؛ يعني: أن تخبر بشيء فيكون الخبر مطابقًا للواقع؛ مثال ذلك: إذا قلت لمن سألك: أيُّ يوم هذا؟ فقلت: اليوم يوم الأربعاء؛ وهو يوم الأربعاء فعلًا؛ فهذا صدق، ولو قلت: يوم الثلاثاء لكان كذبًا، فالصدق مطابقة الخبر للواقع، وقد سبق في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه ما يدل على فضيلة الصدق وحسن عاقبته، وأن الصادق هو الذي له العاقبة، والكاذب هو الذي يكون عمله هباء؛ ولهذا يُذكر أن بعض العامة قال: إن الكذب ينجي، فقال له أخوه: الصدق أنجى وأنجى، وهذا صحيح.
فالكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار؛ نعوذ بالله منها. وقوله: «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ»، وفي لفظ: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»؛ والكذب من الأمور المحرمة؛ بل قال بعض العلماء: إنه من كبائر الذنوب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توعده بأنه يُكتب عند الله كذابًا. ومن أعظم الكذب: ما يفعله بعض الناس اليوم، يأتي بالمقالة كاذبًا، يعلم أنها كذب، لكن من أجل أن يُضحك الناس، وقد جاء في الحديث الوعيد على هذا، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحْدِثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ» ( [2]) ؛ وهذا وعيد على أمر سهل عند كثير من الناس. فالكذب كله حرام، وكله يهدي إلى الفجور، ولا يُستثنى منه شيء. ورد في الحديث، أنه يستثنى من ذلك ثلاثة أشياء: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث المرأة زوجها، وحديثه إياها. ولكن بعض أهل العلم قال: إن المراد بالكذب في هذا الحديث التورية وليس الكذب الصريح. وقال: التورية قد تسمى كذبًا؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذْبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللهِ تَعَالَى: قَوْلُهُ: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ [الصافات: 89]، وَقَوْلُهُ: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ﴾ [الانبياء: 63]، وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَّةَ... »، الحديث، وهو لم يكذب، وإنما ورَّى تورية هو فيها صادق.