بسم الله الرحمن الرحيم
{ كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} (سورة العلق: 6 -7)
متلازمة ثنائية بين الشعور بالاستغناء والطغيان يشير إليها القرآن الكريم بأسف وحسرة يدل عليها استعمال لفظ (كلا) التي قيل عنها أنها تعبير عن الردع ، وإذا طبّقنا هذا المعنى على الآية فتكون ردعاً عن تصور السلوك الطبيعي الفطري الذي تقتضيه الآيات السابقة في بداية سورة العلق من الشكر والطاعة، فتكون بمعنى أداة الاستدراك (لكنّ)، وقيل أن معناها (حقاً). ومن كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفة أعجب ما في الإنسان وهو القلب قال (عليه السلام):
(إن أفاد مالاً أطغاه الغنى وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع)[1]،
- وعنه (عليه السلام):
(لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل... كلا ان الانسان ليطغى تفسير. إن استغنى بَطِر وفُتِن، وإن افتقر قنط ووهن)[2]، فما أعجب هذا الإنسان الذي لا يلتفت إلى مكامن ضعفه وانحرافه. ومن الحكايات في هذا المجال ننقلها للاتعاظ: ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
- جاء رجل موسر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نقي الثوب فجلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس إلى جنب الموسر،
- فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أخِفتَ أن يمسّك من فقره شيء؟
- قال: لا،
- قال: فخفتَ أن يصيبه من غناك شيء؟
- قال: لا ،
- قال: فما حملك على ما صنعت؟
- فقال: يا رسول الله: إنّ لي قريناً يزيّن لي كل قبيح، ويقبّح لي كل حسن، وقد جعلتُ له نصف مالي.
كلا إن الإنسان ليطغى - ملتقى الخطباء
الطغيان ليس في فرعون ونمرود وأبا جهل وهتلر وصدام فقط.. انه موجود فينا وحوالينا.. انه كالخلايا النائمة تستيقظ عندما يترك الانسان العنان لاوهام الاستغناء.. ولو اردنا ان نعد المستأثرين والطغاة حولنا وفق هذه المقياس القرآني اعتقد اننا سنجد منهم الكثير الكثير.. أعاذنا الله وإياكم..
باب قوله: إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى - كتاب صفة القيامة و الجنة و النار - نورة
أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7]. وسلفه في هذا إبليس الذي أوقعه سوء فكره في قياس فاسد فعارض أمر الملك سبحانه وتعالى قائلًا: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص من الآية:76]! ولئن ذكرت آيتا العلق سبب الطغيان فإن العلاج الرباني لم يتأخر فجاء الكلام مُذكِّرًا ومُنبِهًا: { إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8]، وكما قال الحسن رحمه الله: "من علِم أنه إلى الله راجع علِم أنه بين يديه موقوف مسؤول فليُعِد لكل سؤال جوابًاا". فإذا كان الأمر كذلك، فكل هذا الطغيان الذي نراه من الناس لمه؟! ----------------------------------- المراجع والهوامش: [1]- [الزخرف من الآية:51]. المنشاوي كلا ان الانسان ليطغي ان راه استغني. [2]- [فصلت من الآية:15] [3]- [القصص من الآية:78]. [4]- [القصص:81]. [5]- (رواه مسلم). [6]- (أي كِبر الجاهلية). [7]- [الحجرات:13]. 0
3, 666
6 – باب قوله: إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى
38 – (2797) حدثنا عبيدالله بن معاذ ومحمد بن عبدالأعلى القيسي. قالا: حدثنا المعتمر عن أبيه. حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال:
قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته. أو لأعفرن وجهه في التراب. كلا إن الإنسان ليطغى - ملتقى الخطباء. قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. زعم ليطأ على رقبته. قال فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه. قال فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا". قال فأنزل الله عز وجل – لا ندري في حديث أبي هريرة، أو شيء بلغه -: {كلا إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى* إن إلى ربك الرجعى* أرأيت الذي ينهى* عبدا إذا صلى* أرأيت إن كان على الهدى* أو أمر بالتقوى* أرأيت إن كذب وتولى (يعني أبا جهل) * ألم يعلم بأن الله يرى* كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية* ناصية كاذبة خاطئة* فليدع ناديه* سندع الزبانية* كلا لا تطعه} [96 /العلق /6 – 19]. زاد عبيدالله في حديثه قال: وأمره بما أمره به.
وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى بَعْضِ العُلَمَاءِ، وَحَاوَلَ بَعْضُهُمُ الجَمْعَ بَيْنَ الحَدِيثَيْنِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رضي الله عنه: "وَيُشْكَلُ بِمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الأَرْضِ سَبْعَ سِنِينَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ السَّبْعَ عَلَى مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُضَافًا لِمُكْثِهِ بِهَا قَبْلَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَعُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً بِالمَشْهُورِ" [10]. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرْيَرَةَ رضي الله عنه نَصٌّ فِي تَحْدِيدِ مُدَّةِ بَقَائِهِ عليه السلام عَلَى الأَرْضِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ فَلَيْسَ فِي تَحْدِيدِ مُدَّةِ بَقَائِهِ، وَإِنَّمَا فِي تَحْدِيدِ المُدَّةِ الَّتِي يَمْكُثُ فِيهَا النَّاسُ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ. وَاللهُ أَعْلَمُ. نزول عيسى عليه السلام. [1] انظر "تفسير الطبري" (25/ 90- 91). [2] "مجموع الفتاوى" (4/ 322- 323). [3] أخرجه مسلم (2937). [4] متفق عليه: أخرجه البخاري (3448) واللفظ له، ومسلم (155).
باب: نزول عيسى بن مريم عليهما السلام - حديث صحيح البخاري
وبكل حال فالآية تشير إلى ذلك، سواء قيل: إنه الضمير يعود إلى الواحد من أهل الكتاب، وأنه يؤمن به قبل خروج روحه، أو بمعنى: أن عيسى -عليه الصلاة والسلام- إذا نزل آمن به أهل الكتاب ذلك الوقت قبل أن يموت عيسى -عليه الصلاة والسلام-، فإنه يموت بعد ذلك، يمكث في الأرض ما شاء الله، ثم يموت، ويصلي عليه المسلمون، ويدفنونه.
والخلاصة: أن نزوله حق، وأنه ثابت بإجماع المسلمين، وأصله الأحاديث المتواترة، ثبت في الأحاديث المتواترة القطعية بنزوله -عليه الصلاة والسلام-، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك كما تقدم. فالواجب على جميع المسلمين الإيمان به، واعتقاد نزوله في آخر الزمان، وأنه ينزل حقيقة، وأنه يدعو إلى توحيد الله، والإيمان به، وأنه يعمل بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، ويحكم بها في الأرض؛ لأنه لا نبي بعد محمد -عليه الصلاة والسلام-، فهو ينزل تابعًا لـمحمد ﷺ، حاكمًا بشريعته، لا بشريعة التوراة السابقة، ولكن يحكم بشريعة محمد ﷺ، يحكم بالقرآن، هذا هو الذي أجمع عليه أهل الإسلام، ودلت عليه الأحاديث الصحيحة المتواترة، وأشار إليه القرآن الكريم.