وسؤال الكافر تقريع أن قابل نعيم الدنيا بالكفر والمعصية. وقال قوم: هذا السؤال عن كل نعمة ، إنما يكون في حق الكفار ، فقد روي أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال: يا رسول الله ، أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيهان ، من خبز شعير ولحم وبسر قد ذنب ، وماء عذب ، أتخاف علينا أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه ؟ فقال - عليه السلام -: " ذلك للكفار; ثم قرأ: وهل نجازي إلا الكفور ". ذكره القشيري أبو نصر. وقال الحسن لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار. وقال القشيري: والجمع بين الأخبار: أن الكل يسألون ولكن سؤال الكفار توبيخ; لأنه قد ترك الشكر. وسؤال المؤمن سؤال تشريف; لأنه شكر. وهذا النعيم في كل نعمة. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة التكاثر - الآية 8. قلت: هذا القول حسن; لأن اللفظ يعم. وقد ذكر الفريابي قال: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله تعالى: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قال: كل شيء من لذة الدنيا. وروى أبو الأحوص عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن الله تعالى ليعدد نعمه على العبد يوم القيامة ، حتى يعد عليه: سألتني فلانة أن أزوجكها ، فيسميها باسمها ، فزوجتكها ". وفي الترمذي عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قال الناس: يا رسول الله ، عن أي النعيم نسأل ؟ فإنما هما الأسودان والعدو حاضر ، وسيوفنا على عواتقنا.
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة التكاثر - الآية 8
وقال سعيد بن جبير حتى عن شربه عسلا.
يا أبو بكر وعمر لتسألن يومئذ عن هذا النعيم - قصة تبكي الحجر للداعية : محمود الحسنات - Youtube
قال: " إن ذلك سيكون ". وعنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعني العبد - أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ، ونرويك من الماء البارد " قال: حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده ، فيوقفه بين يديه ، فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله ". والجاه من نعيم الدنيا لا محالة. وقال مالك - رحمه الله -: إنه صحة البدن ، وطيب النفس. يا أبو بكر وعمر لتسألن يومئذ عن هذا النعيم - قصة تبكي الحجر للداعية : محمود الحسنات - YouTube. وهو القول السابع. وقيل: النوم مع الأمن والعافية. وقال سفيان بن عيينة: إن ما سد الجوع وستر العورة من خشن [ ص: 159] الطعام واللباس ، لا يسأل عنه المرء يوم القيامة ، وإنما يسأل عن النعيم. قال: والدليل عليه أن الله تعالى أسكن آدم الجنة. فقال له: إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى. فكانت هذه الأشياء الأربعة - ما يسد به الجوع ، وما يدفع به العطش ، وما يستكن فيه من الحر ، ويستر به عورته - لآدم - عليه السلام - بالإطلاق ، لا حساب عليه فيها لأنه لا بد له منها. قلت: ونحو هذا ذكره القشيري أبو نصر ، قال: إن مما لا يسأل عنه العبد لباسا يواري سوأته ، وطعاما يقيم صلبه ، ومكانا يكنه من الحر والبرد.
وشكر النعم يكون بلسان الحال، بالتزام الأوامر واجتناب النواهي، وبلسان المقال بالشكر باللسان والتحدث بالنعم ونشرها وبثها، خاصة بين الأحبة والأصدقاء. قال تعالى مخاطباً له وللأمة في شخص رسولها: "وأما بنعمة ربك فحدث"، روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن أن يرى أثر نعمته على عبده" 2 ، روى النسائي 3 عن مالك بن نضلة الجُشمي رضي الله عنه قال: "كنتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فرآني رثَّ الثياب، فقال: ألك مال؟ قلتُ: نعم، من كل المال؛ قال: إذا آتاك الله مالاً فليُرَ أثره عليك". وروى الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بالنعم شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب" 4. وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: "إذا أصبتَ خيراً، أوعملتَ خيراً، فحدِّث به الثقة من إخوانك". ثم لتسألن يومئذ عن النعيم. النعم المسؤول عنها
اختلف أهل العلم في تأويل النعم المسؤول عنها في قوله تعالى: "لتسألنَّ يومئذ عن النعيم"، على أقوال هي 5:
1. قال سفيان بن عيينة رحمه الله: "إن ما سدَّ الجوع، وستر العورة ،من خشن الطعام، واللباس، لا يُسأل عنه المرء يوم القيامة، وإنما يسأل عن النعيم، قال: والدليل عليه أن الله أسكن آدم الجنة، فقال له: إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى".
فتاوى الشيخ ابن باز عدد الزيارات: 18129
طباعة المقال
أرسل لصديق
فسروا لنا قول الحق تبارك وتعالى: (( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ))[الزمر:3]؟
مثل ما تقدم، نعم، هم اتخذوهم من دون الله، عبدوهم من دون الله ليقربوهم إلى الله زلفى، كقولهم: ما نعبدهم يعني يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى. وقبلها يقول جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) سورة الزمر، ثم قال سبحانه: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ. يعني العبادة الخالصة له وحده جل وعلا، ليس له شريك في ذلك، كما قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء (5) سورة البينة. تفسير سورة الزمر - تفسير قوله أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ. وقال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) سورة غافر. ولهذا قال سبحانه: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ.
تفسير سورة الزمر - تفسير قوله أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
اليوم تجد كثيراً من الشيعة والمتصوفة وبعض عوام المسلمين الذين تعلقت قلوبهم بغير الله ولاذوا إلى المخلوقين وتركوا الخالق جل وعلا، وزيّن الشيطان لهم هذا الأمر وضخَّمه في عقولهم وقال لهم: إنه ليس من المعقول أن يشفع سيدنا علي بن أبي طالب والأئمة الاثني عشر فيشفعوا في الآخرين، ويتركوا شيعتهم ومحبيهم! ويأتي إلى بعض المنتسبين لآل بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيقول لهم ليس من المعقول أن يشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الناس ويترك ذريته وأولاده حتى تزين لهم أمر عبادة الشفعاء فجعلوهم شركاء لهم مع الله وتأصلت هذه الاعتقادات الفاسدة في عقولهم بحجة أننا ما عبدناهم وإنما نتقرب بهم إلى الله ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾. إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو رسول الله وسيد خلق الله لا يشفع لأحد من أمته إلا إذا أذن الله له بالشفاعة، وقال له عندما يسجد عند العرش فيطيل: "يا محمد ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع"، فهنا يأذن الله له بالشفاعة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا أغني عنك من الله شيئا ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئا" (رواه البخاري ومسلم).
تفسير قوله تعالى ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى - إسلام ويب - مركز الفتوى
لقد اعتمد كثير من هؤلاء يوم القيامة على الشفاعة، وجنحوا لها واتكئوا عليها، وظنوا أنهم ما داموا مرتبطين بهؤلاء الصالحين ومتقربين منهم فإنهم لن يخيبوهم وسيشفعون لهم عند الله، فأوضح الله -سبحانه وتعالى- أن الشفاعة له وحده وبيده جل وعلا وحده فلا يملكها أحد غيره يقول الله ( قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) [الزمر: 44]، ويقول ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) [النجم: 26]. فالشفاعة بيد الله ولا يمكن لأحد أن يكون شافعاً إلا إذا أذن الله له بالشفاعة ورضي عن من شفع فيه يقول الله ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بإذنه) [البقرة: 255] ويقول: ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) [الأنبياء: 28]، وبهذا يتبين أن اعتمادهم على هؤلاء الوسطاء أو الشفعاء إنما هي محض خيالات يتخيلونها ومجرد أوهام زينها لهم الشيطان فتوهموها، واتكئوا عليها، مع أن الله -تبارك وتعالى- بيّن أمر الشفاعة في كتابه العظيم بياناً شافياً كافياً وأخبر أن الشفاعة له وحده يعطيها من يشاء من عباده الصالحين بعد أن يأذن الله له أن يشفع وبعد أن يرضى الله عن المشفوع الذي شفع فيه الشافع.
السؤال:
سماحة الشيخ! من محاسن الأقدار أن سماحتكم استشهدتم بالآية من سورة الزمر، وأخونا يسأل -أيضًا- عن تفسيرها، فيقول: فسروا لنا قول الحق تبارك وتعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3]. الجواب:
مثل ما تقدم.