* ذكر من قال ذلك: 402- حدثنا بشر بن مُعاذ, قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع, عن سعيد, عن قتادة: " فهم لا يَرجعون " ، أي: لا يتوبون ولا يذَّكَّرون. 403- وحدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن السُّدّيّ في خبر ذكره, عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرَّة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " فهم لا يَرْجعون ": فهم لا يرجعون إلى الإسلام. وقد رُوي عن ابن عباس قولٌ يخالف معناه معنى هذا الخبر، وهو ما:- 404- حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: " فهم لا يَرْجعون " ، أي: فلا يرجعون إلى الهدَى ولا إلى خير, فلا يصيبون نَجاةً مَا كانوا على مَا هم عليه (24). صم بكم عمي فهم لا يرجعون دعای زبان بند. وهذا تأويلٌ ظاهرُ التلاوة بخلافه. وذَلك أن الله جلّ ثناؤه أخبرَ عن القوم أنهم لا يَرجعون -عن اشترائهم الضلالة بالهدى- إلى ابتغاء الهدى وإبصار الحق، من غير حَصْرٍ منه جلّ ذكره ذلك من حالهم على وقت دون وقت (25) وحال دون حال. وهذا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس، يُنبئ أنّ ذلك من صفتهم محصورٌ على وقت (26) وهو ما كانوا على أمرهم مقيمين, وأنّ لهم السبيلَ إلى الرجوع ص [ 1-333] عنه.
تفسير: (صم بكم عمي فهم لا يرجعون)
وفيه دلالة على أن النور من الله عز وجل يعطيه من يشاء بفضله، ويمنعه عمن يشاء بعدله، كما قال تعالى: ﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النور: 35]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]. وهنا إشارة إلى أن نور الإيمان يحتاج إلى مادة من العلم النافع والعمل الصالح يقوم بها ويدوم، وإلا انطفأت جذوته، كما أن النار بحاجة إلى مادة وقود وإلا انطفأت. الباحث القرآني. وفي تشبيههم بأشد الظُّلمتين - وهي الظلمة الحادثة بعد ذهاب النور - بيانُ ما هم فيه من الحيرة والشكوك والكفر مما ليس عند الكافر صراحة؛ لأنه لم يخرج من الظلمة قط، وقد خرجوا منها ثم ارتكسوا، أو لأنهم آمنوا في الظاهر وكفروا في الباطن. قال ابن القيم: "فهذه حال من أبصَرَ ثم عَمِيَ، وعرَف ثم أنكَر، ودخل الإسلام ثم فارقه بقلبه، فهو لا يرجع إليه؛ ولهذا قال: ﴿ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18]" [4].
الباحث القرآني
وذلك من التأويل دعوى بَاطلة (27) ، لا دلالة عليها من ظاهر ولا من خبرٍ تقوم بمثله الحجة فيسلم لها. ----------------------- الهوامش: (17) الشعر للخرنق بنت بدر بن هفان ، أخت طرفة لأمه ، أمهما وردة ، ديوانها: 10 ، ترثى زوجها بشر بن عمرو بن مرثد. وسيأتي في تفسير آية سورة غافر: 3 (24: 27 بولاق) ، وفي سيبويه 1: 104 ، 246 ، 249 ، وخزانة الأدب 2: 301. وقولها "لا يبعدن قومى": أي لا يهلكن قومي ، تدعو لهم. وفعله: بعد يبعد بعدًا (من باب فرح): هلك. والعداة جمع عاد ، وهو العدو. والجزر جمع جزور: وهي الناقة التي تنحر. وآفة الجزر: علة هلاكها ، لا يبقون على أموالهم من الكرم. صم بكم عمي فهم لا يرجعون. (18) المعترك: موضع القتال حيث يعتركون ، يطحن بعضهم بعضًا. وإذا ضاق المعترك نزل الفرسان ، وتطاعنوا واقتربوا حتى يعتنق بعضهم بعضًا إذا حمس القتال. والأزر جمع إزار: وهو ما ستر النصف الأسفل ، والرداء: ما ستر الأعلى. ومعاقد الأزر: حيث يعقد لئلا تسقط. وكنت بذلك عن عفتهم وطهارتهم ، لا يقربون فاحشة فيحلون معاقد الأزر. (19) قطعا: أي حالا ، وانظر ما سلف: 230 تعليق: 4. (20) قطعا: أي حالا ، وانظر ما سلف: 230 تعليق: 4. (21) في المطبوعة: "والقراءة التي هي قراءة الرفع.. " ، وهو خطأ محض.
صم بكم عمي فهم لا يرجعون
وفي قوله تعالى: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾ [البقرة: 17] إشارة إلى أن المنافقين لما آمَنوا بألسنتهم ولم تؤمِن قلوبُهم، كان ما معهم من النور كالمستعار، وذلك إنما حصل لهم بسبب وجودهم بين ظهرانَي المؤمنين. صم بكم عمي فهم لا يرجعون. وفي قوله: ﴿ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ﴾ [البقرة: 17] إشارة إلى أن النور لم ينفذ إلى قلوب هؤلاء المنافقين، وإنما كان خارجًا عنها؛ لذا لم يستفيدوا منه إلا استفادة ظاهرة مادية مؤقتة. وفي قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ [البقرة: 17] تشبيه للمنافقين بمن حصلت له إضاءة ثم أعقبها ذهاب النور وتركهم في ظلمات لا يبصرون؛ لأن المنافقين آمنوا ثم كفروا، أو لأنهم آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ﴾ [المنافقون: 3]. وفي قوله تعالى: ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ تأكيد لذهاب النور كلية عن هذا المستوقد ومن معه، وذهاب الإضاءة من باب أولى؛ لأنها ثمرة النور، ففيها تأكيد بانعدام النور كلية من قلوب هؤلاء المنافقين في الدنيا، فهم في حيرة واضطراب وشك وجهل وكفر، وهكذا حالهم في البرزخ وفي عرصات القيامة.
كما يُعطى المنافقون يوم القيامة بصيصًا من النور الظاهر يذهب وينطفئ على جسر جهنم أحوجَ ما كانوا إليه، فيَضِلُّون في أحْلَكِ الظلمات، ويكردسون في النار، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يعطي كلَّ مؤمن ومنافق نورًا، ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنم كلاليبُ وحسك تأخذ من شاء الله تعالى، ثم يُطفَأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون)) [2].
وأما المسؤولية الثانية التي ألقتها الآية الكريمة على عاتق العبد، فهي مسؤولية وقاية أهله من نار جهنم، فكما أنّه مسئول عن نفسه ويجب عليه أن يقيها من عذاب الله في نار جهنّم، فكذلك عليه مسؤولية أخرى وهي وقايه أهله من جهنم وعذابها. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة التحريم - القول في تأويل قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة "- الجزء رقم23. أما كيف يقي أهله من نار جهنم؟ فإنّ الواجب عليه هو أن يقوم بتوجيههم وإرشادهم إلى فعل كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى، وينهاهم عن كل ما يغضبه سبحانه، فيقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسط عائلته، وبين أفراد أسرته وأرحامه. فعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (لما نزلت هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا … ﴾ 1 جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي وكلفت أهلي. فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك) 11. وسأل أبو بصير الإمام الصادق «عليه السلام» عن قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا … ﴾ 1 كيف أقيهم؟ قال: (تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عما نهى الله، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك) 11.
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة التحريم - القول في تأويل قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة "- الجزء رقم23
فهذه أمانة أنت مسؤول عنها، فإن الله تعالى يقول: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]. وستحاسب على فعلك وتقصيرك في تربيتهم وتعريفهم بما يوصلهم إلى الجنة ويقيهم من النار، وتبدأ بنفسك أولًا، فإن لم تفعل فاعلم أنك خنت الأمانة، وظلمت نفسك. ولتعلم يا رعاك الله أن الله قد هيأك لأن تقود أسرتك، وائتمنك على رعايتهم، فلا تكن هزيلًا في تحمل المسؤوليات، ضيقًا عن أعبائها، عاجزًا عن تكاليفها، فالمسؤولية بحاجة إلى كفء يقدر على جلب منافعها ما أمكن. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.. الخطبة الثانية: الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبيه ومن والاه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.. أيها المسلمون! إن من أروع ما يقوم به الإنسان في هذه الحياة بعد أداء ما أوجب الله عليه من الفرائض: أن يكون امرأ نافعًا لنفسه ومن حوله، لا يتباطأ في معروف، يدل على مواطن الخير ومكامن الصلاح، يدعو إلى التقوى ويوصي بالبر، ويعين على الحق، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، كل هذا؛ ليؤدي حملًا ملقىً على عاتقه، ألا وهي مسؤولية الأسرة والرعية، والنفس أولًا.
قوا أنفسكم وأهليكم نارا 🔥محاضرة قيمة للشيخ الحاج عمر الزين حفظه الله ورعاه - YouTube