وذلك تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم بأن شأن شرعه مع قومه كشأن شريعة موسى لا تسلم من مخالف. وأن ذلك لا يقدح فيها ولا في الذي جاء بها. وأن لا يعبأ بالمعاندين ولا بكثرتهم إذ لا وزن لهم عند الله. قال سيد قطب: تعريف بسورة الجاثية: هذه السورة المكية تصور جانبًا من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية. وطريقتهم في مواجهة حججها واياتها. وتعنتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها. واتباعهم للهوى اتباعًا كاملًا في غير ما تحرج من حق واضح أوبرهان ذي سلطان. كذلك تصور كيف كان القرآن يعالج قلوبهم الجامحة الشاردة مع الهوى. المغلقة دون الهدى؛ وهو يواجهها بآيات الله القاطعة العميقة التأثير والدلالة. ويذكرهم عذابه. ويصور لهم ثوابه. سورة الجاثية تفسير ابن كثير. ويقرر لهم سننه. ويعرفهم بنواميسه الماضية في هذا الوجود. ومن خلال آيات السورة وتصويرها للقوم الذين واجهوا الدعوة في مكة. نرى فريقًا من الناس مصرا على الضلالة. مكابرًا في الحق. شديد العناد. سيئ الأدب في حق الله وحق كلامه. ترسمه هذه الآيات. وتواجهه بما يستحقه من الترذيل والتحذير والتهديد بعذاب الله المهين الأليم العظيم: {ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرًا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا شيئًا اتخذها هزوًا أولئك لهم عذاب مهين من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئًا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم}.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الجاثية - الآية 37
قوله: {سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} لتقدّم {كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ} و {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} قوله: {ذَلِكَ هو الفَوْزُ الْمُبِينُ} تعظيما لإِدخال الله المؤمنين في رحمته. قال الكَرْماني: سورة الجاثية: 474- قوله: {لتجري الفلك فيه} 12 أي البحر وقد سبق. 475- قوله: {وآتيناهم بينات من الأمر} 17 نزلت في اليهود وقد سبق. 476- قوله: {نموت ونحيا} 24 قيل فيه تقديم نموت وتأخير نحيا قيل يحيا البعض ويموت البعض وقيل هو كلام من يقول بالتناسخ. 477- قوله: {وليجزي كل نفس بما كسبت} 22 بالياء موافقة لقوله: {ليجزي قوما بما كانوا يكسبون}. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الجاثية - الآية 37. 478- قوله: {سيئات ما عملوا} 33 لتقدم {كنتم تعملون} 29 {وعملوا الصالحات} 3. 479- قوله: {ذلك هو الفوز المبين} 30 تعظيما لإدخال الله المؤمنين في رحمته. فصل في التعريف بالسورة الكريمة:. قال الألوسي: سورة الجاثية: وتسمى سورة الشريعة وسورة الدهركما حكاه الكرماني في العجائب لذكرهما فيها وهي مكية قال ابن عطية: بلا خلاف وذك المأو ردي إلا قل للذين آمنوا يغفروا الآية فمدنية وحكى هذا الاستثناء في جمال القراء عن قتادة وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى وهي سبع وثلاثون آية في الكوفي وست وثلاثون في الباقية لاختلافهم في حم هل هي آية مستقلة أولا ومناسبة أوله الآخر ما قبلها في غاية الوضوح.
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) القول في تأويل قوله تعالى: وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) يقول تعالى ذكره: وبدا لهؤلاء الذين كانوا في الدنيا يكفرون بآيات الله سيئات ما عملوا في الدنيا من الأعمال, يقول: ظهر لهم هنالك قبائحها وشرارها لما قرءوا كتب أعمالهم التي كانت الحفظة تنسخها في الدنيا ( وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) يقول: وحاق بهم من عذاب الله حينئذ ما كانوا به يستهزئون إذ قيل لهم: إن الله مُحِلُّهُ بمن كذب به على سيئات ما في الدنيا عملوا من الأعمال.
فصل: سورة الجاثية:|نداء الإيمان
(
وخلق الله السماوات) خلق
( والأرض بالحق) متعلق بخلق ليدل على قدرته ووحدانيته ( ولتجزى كل نفس بما كسبت) من المعاصي والطاعات فلا يساوي الكافر المؤمن ( وهم لا يظلمون)
23. فصل: سورة الجاثية:|نداء الإيمان. (
أفرأيت) أخبرني ( من اتخذ إلهه هواه) ما يهواه من حجر بعد حجر يراه أحسن ( وأضله الله على علم) منه تعالى أي عالما بأنه من أهل الضلالة قبل خلقه ( وختم على سمعه وقلبه) فلم يسمع الهدى ولم يعقله ( وجعل على بصره غشاوة) ظلمة فلم يبصر الهدى ويقدر هنا المفعول الثاني لرأيت
أيهتدي ( فمن يهديه من بعد الله) أي بعد إضلاله إياه أي لا يهتدي ( أفلا تذكرون) تتعظون فيه إدغام إحدى التاءين في الذال
24. (
وقالوا) أي منكروا البعث ( ما هي) أي الحياة ( إلا حياتنا) التي في ( الدنيا نموت ونحيا) أي يموت بعض ويحيا بعض بأن يولدوا ( وما يهلكنا إلا الدهر) مرور الزمان قال تعالى ( وما لهم بذلك) المقول ( من علم إن) ما ( هم إلا يظنون)
25. (
وإذا تتلى عليهم آياتنا) من القرآن
الدالة على قدرتنا على البعث (
بينات) واضحات حال ( ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا) أحياء ( إن كنتم صادقين) أنا نبعث
26. ( قل
الله يحييكم) حين كنتم نطفا ( ثم يميتكم ثم يجمعكم) أحياء ( إلى يوم القيامة لا ريب) لا شك ( فيه ولكن أكثر الناس) وهم القائلون ما ذكر ( لا يعلمون)
27.
حم (1) قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسرها حكاه القرطبي في تفسـره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم واختاره أبو حاتم بن حبان. ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور. قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقل عن سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة "الم" السجدة و "هل أتى على الإنسان" وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: الم وحم والمص وص. فواتح افتتح الله بها القرآن وكذا قال غيره عن مجاهد وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه أنه قال الم اسم من أسماء القرآن وهكذا وقال قتادة وزيد بن أسلم ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبدالرحمن بن زيد بن أسلم أنه اسم من أسماء السور فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن فإنه يبعد أن يكون المص اسما للقرآن كله لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول قرأت المص إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف لا لمجموع القرآن والله أعلم.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الجاثية
3- وقد واجهت الآيات هؤلاء الناس بصفاتهم وتصرفاتهم السابقة كما واجهتهم ببيان آيات الله ودلائل قدرته وصنوف النعم التي أنعم بها على عباده. دروس مستفادة من الآيات الكريمة من (14) إلى (22) من سورة «الجاثية»:
1- الذين يستهزئون بآيات الله ويستكبرون عليها، يستحقون الإذلال والمهانة في الدنيا ونار الجحيم في الآخرة. 2- من صفات الكفار الذين عاندوا وكابروا وامتنعوا عن الاهتداء بالقرآن الكريم أنهم يعبدون هواهم، وأنهم يضلون على علم، لا عن خطأ ولا نسيان ولا جهل، وأنهم قد طبع الله على أسماعهم وعلى قلوبهم، فلا تنفتح للحق ولا تنشرح للهداية. معاني مفردات الآيات الكريمة من (23) إلى (37) من سورة «الجاثية»:
﴿ من اتخذ إلهه هواه ﴾: من ترك عبادة الله وعَبَدَ هواه وما تدعوه إليه نفسه. ﴿ وأضلَّه الله على علم ﴾: وأضل الله ذلك الشقي مع علمه بالحق وعدم جهله به. ﴿ وختم على سمعه وقلبه ﴾: وأغلق سمعه وقلبه عن الحق وطبع عليهما فلا ينفتحان له. ﴿ غشاوة ﴾: غطاء، فلا يبصر الحق ولا يهتدي إليه. ﴿ فمن يهديه من بعد الله ﴾: فلا أحد يقدر على هدايته بعد أن أضله الله. ﴿ بينات ﴾: واضحات. ﴿ ائتوا بآبائنا ﴾: أحيوا لنا آباءنا السابقين. ﴿ إن كنتم صادقين ﴾: إن كان ما تقولونه عن البعث بعد الموت حقًّا.
والقرآن يوجه هذا الفريق إلى الدلائل القائمة الحاضرة على صدق هذه القضية. وهم عنها معرضون: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. ويجوز أن يكون هؤلاء جميعًا فريقًا واحدًا من الناس يصدر منه هذا وذاك. ويصفه القرآن في السورة هنا وهناك. كما يجوز أن يكونوا فرقًا متعددة ممن واجهوا الدعوة في مكة. بما في ذلك بعض أهل الكتاب. وقليل منهم كان في مكة. ويجوز أن تكون هذه إشارة عن هذا الفريق ليعتبر بها أهل مكة دون أن يقتضي هذا وجوده في مكة بالذات في ذلك الحين. وعلى أية حال فقد واجه القرآن هؤلاء الناس بصفاتهم تلك وتصرفاتهم. وتحدث عنهم في هذه السورة ذلك الحديث.. كذلك واجههم بآيات الله في الافاق وفي أنفسهم. وحذرهم حساب يوم القيامة. وبصرهم بما جرى لمن قبلهم ممن انحرفوا عن دين الله القويم.
تاريخ النشر: الخميس 26 ذو القعدة 1425 هـ - 6-1-2005 م
التقييم:
رقم الفتوى: 57823
12566
0
370
السؤال
هناك ملاحظة في اختبر معلوماتك قسم العقيدة منها اعتبار آدم من أولي العزم من الرسل والله تعالى يقول: (ولم نجد له عزما)، وإنما هو نوح عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 1594 بيان أن أولي العزم من الرسل خمسة (محمد، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى) عليهم الصلاة والسلام، وفي المسألة خلاف ذكره القرطبي والطبري وغيرهما. أما آدم فقد روى الطبري في تفسيره عن ابن زيد أن كل الرسل أولو عزم، وحكى القرطبي قولاً أن كل الأنبياء أولوعزم إلا يونس عليه السلام، والراجح ما ذكرناه أولاً لقول الله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا {طه:115}، قال الإمام الطبري: اختلف أهل التأويل في معنى العزم فقال بعضهم معناه الصبر وقال آخرون: بل معناه الحفظ، قالوا: ومعناه لم نجد له حفظاً لما عهدنا إليه. قال أبو جعفر: فيكون تأويله ولم نجد له عزم قلب على الوفاء لله بعهده ولا على حفظ ما عهد إليه.
ما معنى اولي العزم تاتي العزائم
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله. سمي هؤلاء الرسل بأولي العزم لأنهم أصحاب صبر وثبات وعزيمة في الدعوة إلى الله ، وتحملوا الكثير من أذى قومهم وهم يبلغونهم رسالة الله. وذكر السيوطي في تفسيره الدر المنثور بعض الآثار في معنى هذه الجملة ، ومما جاء فيه عند تفسير هذه الآية: { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}:
[ وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: أولو العزم من الرسل النبي صلى الله عليه وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى . بحث عن اسماء اولي العزم من الرسل - موسوعة. ] أ. هـ. والعزم: بمعنى الإرادة الصلبة القوية ، يقول الراغب في مفرداته: إنّ العزم هو عقد القلب على إمضاء الأمر. جاء في شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ ما نصه:
[ واختلف العلماء في أولي العزم من الرسل من هم؟ على أقوال كثيرة: القول الأول: أنَّ كل رسول هو من أولي العزم، ومعنى أُولِيْ العَزْمْ يعني أولي الصبر والمصابرة والجَلَدْ والتجلد في دين الله - عز وجل -، فهم أهل عزم قوي في مواجهة أعداء الله وأهل صبر ومصابرة. فهذا القول أنَّ كل رسول هو من أولي العزم. ما معنى قوله إذاً {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}؟ قالوا {مِن} هنا ليست تبعيضية بل بيانية، مثل ما تقول الرجل من القوم.
وقال عن نبيه موسى عليه السلام: وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69]، وقال عن نبيه عيسى عليه السلام: وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45]. ما معنى اولي العزم المغناطيسي. وخاطب خاتم رسله محمداً عليه الصلاة والسلام بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]. وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21]. والله أعلم.