ولا ينبغي أن يُفهم من هذا أن ما يحمله المضلون من أوزار غيرهم يعفي الضالين من الحساب والعقاب، بل كلا الفريقين محاسب جراء عمله، فالمضلون يحملون أوزار من أضلوهم، ويعاقبون على ذلك بسبب إضلالهم إياهم، والضالون يحملون أوزار أنفسهم جراء اتباعهم لأولئك المضلين. وقد روي عن مجاهد في قوله تعالى: { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}، قال: ذنوبهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئاً. تفسير قوله تعالى: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم. على أننا لو دققنا النظر في الأمر لتبين لنا أن ما يحمله المضلون من أوزار الضالين هو في الواقع نتيجة عملهم وكسبهم؛ إذ لما كان هؤلاء المضلون سبباً مباشراً لضلال أولئك الأتباع، صح أن يعاقبوا ويحاسبوا على فعل كانوا هم السبب في وجوده وتحقيقه، فكان ما حملوه من عقاب ليس بسبب فعل قام به غيرهم، وإنما بسبب فعل قاموا به بأنفسهم، فوضح بذلك أن العقاب نالهم بما كسبت أيديهم، لا بما كسبه غيرهم. وقد ورد في السنة ما يدل على ما تقدم بيانه؛ فقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة فأبطؤوا عنه، حتى رئي ذلك في وجهه، ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من وَرِق - فضة -، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عُرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كُتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء؛ ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعُمل بها بعده كُتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء).
تفسير قوله تعالى: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)يقول تعالى ذكره: وليحملنّ هؤلاء المشركون بالله القائلون للذين آمنوا به اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم أوزار أنفسهم وآثامها، وأوزار من أضلوا وصدّوا عن سبيل الله مع أوزارهم، وليسألن يوم القيامة عما كانوا يكذّبونهم في الدنيا بوعدهم إياهم الأباطيل، وقيلهم لهم: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم فيفترون الكذب بذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ) أي أوزارهم ( وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) يقول: أوزار من أضلوا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ). وقرأ قوله: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ قال: فهذا قوله: ( وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ).
ثم ينادي مناد فيقول: أين فلان ابن فلان ؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال ، فيشخص الناس إليها أبصارهم حتى يقوم بين يدي الله الرحمن عز وجل ثم يأمر المنادي فينادي من كانت له تباعة - أو: ظلامة - عند فلان ابن فلان ، فهلم. فيقبلون حتى يجتمعوا قياما بين يدي الرحمن ، فيقول الرحمن: اقضوا عن عبدي. فيقولون: كيف نقضي عنه ؟ فيقول لهم: خذوا لهم من حسناته. فلا يزالون يأخذون منها حتى لا يبقى له حسنة ، وقد بقي من أصحاب الظلامات ، فيقول: اقضوا عن عبدي. فيقولون: لم يبق له حسنة. فيقول: خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه ". ثم نزع النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الآية الكريمة: ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون). وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا أبو بشر الحذاء ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا معاذ ، إن المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه ، حتى عن كحل عينيه ، وعن فتات الطينة بإصبعيه ، فلا ألفينك تأتي يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك الله منك ".
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن علية, عن ابن جريج, عن سليمان الأحول, عن طاوس, عن ابن عباس, في قوله ( اِئْتِيَا): أعطيا. وفي قوله: ( قَالَتَا أَتَيْنَا) قالتا: أعطينا. وقيل: أتينا طائعين, ولم يقل طائعتين, والسماء والأرض مؤنثتان, لأن النون والألف اللتين هما كناية أسمائهما في قوله ( أَتَيْنَا) نظيره كناية أسماء المخبرين من الرجال عن أنفسهم, فأجرى قوله ( طَائِعِينَ) على ما جرى به الخبر عن الرجال كذلك. ثم استوى إلى السماء وهي دخان HD - YouTube. وقد كان بعض أهل العربية يقول: ذهب به إلى السموات والأرض ومن فيهنّ. وقال آخرون منهم: قيل ذلك كذلك لأنهما لما تكلمتا أشبهتا الذكور من بني آدم.
ثم استوى إلى السماء وهي دخان Hd - Youtube
الروابط المفضلة
الروابط المفضلة
والإعجاز هنا يتجلى في جانبين اثنين:
الأول: يتمثل في السبق العلمي للقرآن في تسمية هذه النجوم بالمصابيح، بما يتطابق تماماً مع ما يراه العلماء اليوم. الثاني: يتمثل في أن القرآن حدد المرحلة الزمنية التي تشكلت فيها هذه النجوم، وهي المرحلة التالية لمرحلة الدخان. وهكذا، فإن جميع العلماء يؤكدون أن المرحلة التالية للدخان، هي مرحلة تشكل المصابيح، أو النجوم شديدة اللمعان. ثم استوى الى السماء فسواهن. وهذا ما أخبرنا به القرآن عندما تحدث عن الدخان أولاً { وهي دخان}. ثم تحدث في الآية التالية مباشرة عن النجوم اللامعة: { وزينا السماء الدنيا بمصابيح}، فهل جاء هذا الترتيب بالمصادفة، أم هو بتقدير الله سبحانه؟ وختام الآية يجيب: { ذلك تقدير العزيز العليم} فلا مكان للمصادفة، ولا يد لأحد في هذا الترتيب والتنسيق. ثم إن السؤال الوارد هنا: ما معنى هذا التطابق والتوافق بين ما يكشفه العلماء في القرن الحادي والعشرين وبين كتاب أُنزل قبل أربعة عشر قرناً؟ وما معنى أن يسمي العلماء الأشياء التي يكتشفونها تسميات هي ذاتها في القرآن، وهم لم يقرؤوا القرآن؟
إن هذا يعني شيئاً واحداً، وهو أن المنكرين لكتاب الله وكلامه، مهما بحثوا، ومهما تطوروا، ومهما اكتشفوا، فسوف يعودون في نهاية المطاف إلى هذا القرآن، وسوف يرجعون إلى خالقهم ورازقهم، الذي سخر لهم هذه الأجهزة ليتعرفوا على خلق الله تعالى، ويقفوا على آياته ومعجزاته، والذي تعهد في كتابه بأنه سيُريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم، حتى يستيقنوا بأن هذا القرآن هو كلام الله الحق.