قوله تعالى: وإذا مروا باللغو مروا كراما. أي: إذا مروا بأهل اللغو والمشتغلين به مروا معرضين عنهم كراما مكرمين أنفسهم عن الخوض معهم في لغوهم ، وهو كل كلام لا خير فيه ، كما تقدم. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، أوضحه جل وعلا بقوله: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين [ 28 \ 55] وقد قدمنا الآيات الدالة على معاملة عباد الرحمن للجاهلين ، في سورة " مريم " ، في الكلام على قوله تعالى: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي الآية [ 19 \ 47].
(وإذا مروا باللغو مروا كرامًا) - Youtube
وإذا مروا باللغو مروا كراماً | د فهد العندس - YouTube
صفات عباد الرحمن: لا يشهدون الزور.. ويمرّون كراماً
أمّا إذا كان المقصود من "اللغو" معنىً أوسع من ذلك، عندها يكون المقصود من ﴿ مَرُّوا بِاللَّغْوِ ﴾ أي عندما يواجهون من يقوم بأعمال قبيحة، كما لو واجهوا من يقوم بالرقص أو الاتيان بمعصية معيَّنة، فإنَّهم يبادرون إلى النَّهي عن المنكر إذا توافرت شروطه وليس المراد من ﴿ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ أنهم لا ينهون عن المنكر لأن النَّهي عن المنكر ليس من صفات عباد الرحمن الخاصة بهم، بل هي تكليف واجب ينبغي على الجميع الإتيان به. * النزعة الداخلية للإنسان في التماهي مع المحيط
يميل الإنسان وبسبب عامل داخلي للمشاركة في عمل اللغو. صفات عباد الرحمن: لا يشهدون الزور.. ويمرّون كراماً. أما القرآن الكريم فيشدد على الاحتراز من هذه المشاركة. من جملة ذلك ما جاء في سورة المؤمنون: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ وما جاء في سورة القصص أيضاً: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ﴾ وما وجاء في الآية الشريفة التي نتحدث عنها: ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ ( الفرقان: 72). وهذا يشير إلى وجود آفة اجتماعية قد يبتلى بها بعض الناس، فجاءت هذه التأثيرات القرآنية لتقف حائلاً أمام وجود هذه الآفة، بالأخص إذا كان المراد من "اللغو" كل كلام باطل.
♦ الآية: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾. ♦ السورة ورقم الآية: الفرقان (72). ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ لا يشهدون بالكذب، ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ سمعوا من الكفار الشتمَ والأذى، صفَحوا وأعرَضوا، وهو منسوخ بالقتال على هذا التفسير. ♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ قال الضحاك وأكثر المفسرين: يعني الشرك. وقال علي بن أبي طلحة: يعني شهادة الزور. وكان عمر بن الخطاب يَجلِدُ شاهد الزُّور أربعين جَلْدةً، ويُسخِّم وجهه، ويطوف به في السوق. وقال ابن جريجٍ: يعني الكذب. وقال مجاهدٌ: يعني أعياد المشركين. وقيل: النوح، وقال قتادة: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم. وقال محمد بن الحنفية: لا يشهدون اللهو والغناء. وقال ابن مسعودٍ: الغناء يُنبِت النفاق في القلب كما يُنبت الماء الزرع. وأصل الزور تحسين الشيء ووصفُه بخلاف صفته، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق. ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ قال مقاتلٌ: إذا سمعوا من الكفار الشتمَ والأذى أعرَضوا وصفَحوا، وهي رواية ابن أبي نجيحٍ عن مجاهد.
" فضل طلب العلم الشرعي " للدكتور مالك حباب السندي الرشيدي - YouTube
فضل طالب العلم
8 - أن الله تعالى ذمّ الجهل وأهله ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [ الأنعام: 111] ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [ الأعراف: 119]. فإذا كان الجهل مذموم فلماذا لاترفع الجهل عن نفسك ، وتبدأ بطلب العلم ؟
9 - أن الله تعالى مدحَ الكلبَ المُعلّم وجعل صيده معتبر به ( مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ) [ المائدة: 4]. فإذا كان الكلب المتعلم أفضل من غيره ، فكيف بالإنسان المتعلم ، لاشك أنه أفضل من غيره من الجاهلين. 10 - أن الله تعالى أخبرنا عن موسى عليه السلام ورحلته لأجل العلم ( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [ الكهف: 66]. 11 - أن أول آية نزلت " اقرأ " ففيها الحث على العلم. ومن الأحاديث التي جاءت في فضل العلم:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمٌ ومتعلم) رواه الترمذي وحسنه. 2 - ما ورد في فضل مجالس العلم ، عن معاوِيَة رضي الله عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رسُول اللَّهِ ﷺ خرَج علَى حَلْقَةٍ مِن أَصحابِه فَقَالَ: مَا أَجْلَسكُمْ ؟
قالوا: جلَسْنَا نَذكُرُ اللَّه، ونحْمدُهُ علَى ماهَدَانَا لِلإِسْلامِ، ومنَّ بِهِ عليْنا.
فضل طلب العلم الشرعي
وفضلُ العالم على الجاهل معلوم ولا شك فيه، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) (الزمر/ 9)، فحكم الله سبحانه وتعالى بعدم المساواة بينهما. ومن فضل العلم أنّه صفة من صفات الله، سبحانه وتعالى، فهو بكل شيء عليم وعالم الغيب وعلام الغيوب، وعلمه سبحانه وتعالى علم مطلق لا تخفى عليه خافية. وأشهد الله سبحانه نفسهوملائكته وأولي العلم عل وحدانيته، وهذا دليل على علو شأن أولي العلم ورفعة مكانتهم، قال الله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران/ 18). - حكم طلب العلم:
صح عن النبي (ص) أنّه قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، رواه البيهقي وغيره بسند صحيح. ولكن يجب أن نعلم أن هناك من العلوم ما يكون طلبه فرض عين على المُكَلَف وهو ما يحتاج إليه في يومه وليلته من أحكام الطهارة والصلاة والبيع والشراء والحلال والحرام، وقد يصبح العلم التخصصي فرضاً على من تخصص فيه لقيام فرض الكفاية به. وأما ما يكون حكمه فرض كفاية فهو ما زاد على العلم الضروري من سائر العلوم الشرعية والدنيوية، فتخصص العلماء في العلم الشرعي فرض كفاية على الأُمّة، فيجب أن يكون فيها علماء متخصصون في كل العلوم الشرعية ليكونوا مرجعاً للناس في ما أعضل عليهم واحتاجوا إليه.
فضل طالب العلم عند الله
وفي العلم تزكية للنفوس وتهذيب للطباع وتشذيب للأخلاق، ولهذا فقد قرن الله سبحانه بين العلم والتزكية في أعمال النبي (ص) فقال عزّ وجلّ: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران/ 164). والعلم سبب لخشية الله تعالى، لأنّ العلم يدفع صاحبه إلى خشية الله والخوف منه، قال تعالى: (.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر/ 28). - آداب طلب العلم:
ولطلب العلم آداب، أوّلها: الإخلاص، لأنّه مطلوب في كل حال وأوّل ما طلب فيه الإخلاص هو العلم لعظم مكانته، ومَن لم يخلص في علمه عوقب بذلك يوم القيامة، فيكون من أول من تُسعر بهم جهنم، قال رسول الله (ص): "إنّ الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال، فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب.
والعلم لا يُنال بيوم وليلة، بل لابدّ من طول الزمن الذي هو ضروري لإدراك غور العلوم والغوص على دقائقه، فقد يستعجل البعض ويريد أن يبلغ درجة العلماء بسرعة الضوء وهذا غير ممكن، لأنّ العلم يُنال بالتدريج وكلما استمر في طلبه وطال زمن دراسته انفتح له من العلوم ما لم يكن يتوقع، ولا يزال يتعلم حتى يفارق الدنيا. ومن أصول طلب العلم أن يؤخذ عن أهله، ولابدّ من الدراسة على أيدي العلماء، فلا يستطيع الإنسان، مهما بلغ في ذكائه، أن يستغني عن المعلم الذي يفتح له المغاليق من المسائل. ومن آداب العلم وجوب احترام العلماء وتوقيرهم ومعرفة حقهم وفضلهم، وينبغي الإشادة بفضلهم والإقرار بعلمهم. وعلى طلاب العلم ترك التحاسد بينهم ويجب عليهم أن يتعاونوا بينهم، وعلى العلماء أن يرفقوا بالمتعلمين ولا يأخذوهم بالشدة، وعلى العالم أن يبث العلم وينشره ويحرص على إيصال العلم النافع إلى الخلق لتستقيم أحوالهم الدينية والدنيوية. - آثار العلم:
إنّ للعلم آثاراً بالغة في حياة الشعوب والأشخاص والأُمم، فهو سبب في التقدم والحضارة وبناء الإنسان وبناء الأكوان، فما سادت أمة من الأُمم إلا بالعلم، وهذا أمر غاية في الوضوح ولا يحتاج إلى براهين.