س: ما الفرق بين " لا تقنطوا من رحمة الله " و بين " لا تيأسوا من روح الله " ؟:
ج: القنوط أشد من اليأس في سياق القنوط ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾ فهؤلاء أسرفوا على أنفسهم بالذنوب ووصلوا حد القنوط من الرحمة ، ومع ذلك ﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾. اليأس درجة ما قبل القنوط لأنه يأس من الروح الذي هو ما دون الرحمة ﴿ لا تيأسوا من روح الله ﴾. ﵟ ۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﵞ
سورة الزمر - 53
ﵟ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﵞ
سورة يوسف - 87
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة يوسف - الآية 87
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره للآية السابقة: "وطول الأمل داء عضال ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه، واشتد علاجه، ولم يفارقه داء، ولا نجح فيه دواء، بل أعيا الأطباء، ويئس من برئه الحكماء والعلماء". ♦ ومضة: "الأمل تلك النافذة الصغيرة التي مهما صغر حجمها، إلا أنها تفتح آفاقًا واسعة في الحياة"؛ [مصطفى صادق الرافعي].
ويقول الأستاذ (عبد الله كوليم) المسلم: "إنّه حينما كان مسافراً على ظهر باخرة إلى طنجة في بلاد المغرب، إذ بعاصفة قد هبّت وأشرفت السفينة على الغرق وأخذ الركاب يحزمون أمتعتهم ويهرولون في كلّ اتجاه وقد اضطربوا ونزل بهم الهول، فلا يدرون ماذا يصنعون.. وإذا به يرى جماعة من المسلمين قد استوت في صفّ واحد يكبرون ويهلّلون ويسبّحون.. فسأل أحدهم: ماذا يفعلون؟ فقال: نصلّل الله.. فسأل: ألم يلهكم أشراف السفينة على الغرق؟ قال: لا.. إنّنا نصلّي له الذي بيده وحده الأمر، إن شاء أحيا، وإن شاء أمات.. ". وقد كان هذا الحادث سبباً في بحثه عن الدين الإسلامي وهدايته للإسلام وأصبح من كبار دعاة الإسلام وقد أسلم علي يديه الكثير. ومعلوم أنّ الصلاة لو قبلت تدفع عن هذا الإنسان الفحشاء والمنكر: "إنّ الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر". وما أحوج الإنسان إلى عمل يبعده عن الفحشاء ويطهّره من الدنس والرجس ويدخله في عالم قدسي كلّه جمال وكمال. ولا تيأسوا من رحمة ه. فلم يؤتَ بهذا الإنسان إلى عالم الوجود إلاّ ليتكامل نفسياً، ولا شيء يؤدّي إلى هذا التكامل كالصلاة المقبولة، صلاة يتخلّلها خشوع وخضوع وبكاء من خوف الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
فالإنسان أشبه شيء بخليطة من المعادن، فيها المعدن الخسيس كالحديد والألمنيوم والنحاس إلى ما هنالك وفيها الذهب الخالص، فبالصلاة تذوب وتزول الأدران والأوساخ المعنوية وتظهر الحقيقة الإنسانية وتتجلّى الفطرة الواقعية، فتتعرف النفس إلى ربها تعرفاً يؤدي بها اليقين بمنّه تعالى.