قال انما اشكو بثي وحزني الى الله هي أحد الآيات القرآنية الكريمة التي فيها الكثير من المواساة والتخفيف عن كُل مُسلم ضاقت به سُبل الحياة أو اشتدت به المصائب والصعاب، فإنَّ مُحاكاة الآيات القرآنية العظيمة لواقع الإنسان يُؤدي إلى انشراح صدر الإنسان وتخفيف العبء عنه، ومن خلال هذا المقال سنذكر تفسير أحد آيات سورة يوسف الكريمة، كما سنُعرِّف بموضوعها وهو الشكوى إلى الله سبحانه وتعالى.
- انما اشكو بثي وحزني الى الله خالد الجليل
- انما اشكو بثي وحزني الى
- انما اشكو بثي وحزني الى الله
انما اشكو بثي وحزني الى الله خالد الجليل
وقد جاء مع الانسجام بديع غير مقصود، وهو طباق السَّلب في قوله: {وَأَعْلَمُ} وقوله: {لَا تَعْلَمُونَ}[6]. ماذا يستفاد من الآية: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله؟ ومن فقه الآية الكريمة ما ذكره العلامة وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى ما يأتي: 1 – تجدد مصاب يعقوب وحزنه على يوسف بغياب ولدين آخرين هما أكبر أولاده وأصغرهم، فأسف أسفا شديدا، والأسف: شدة الحزن على ما فات، وعمي فلم يعد يبصر بعينيه ست سنين من البكاء ، الذي كان سببه الحزن، ولكن الله العالم بحقائق الأمور الحكيم فيها على الوجه المطابق للفضل والإحسان والرحمة والمصلحة هيأ لجمع الأسرة كلها. فانقلبت المحنة إلى المنحة! 2 – إن الحزن ليس بمحظور إذا اقترن بالصبر والرضا والتسليم لقضاء الله وقدره، فذلك من طبع الإنسان وعاطفته، وإنما المحظور هو السخط على القضاء والقدر، والولولة، وشق الثياب، والكلام بما لا ينبغي، قال النبي صلّى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان: (تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب). وبناء عليه لما سمع يعقوب عليه السلام كلام أبنائه، ضاق قلبه جدا، وأعرض عنهم، وفارقهم، ثم طلبهم أخيرا وعاد إليهم. 3 – أشفق أولاد يعقوب على أبيهم، ورقوا، وذكروا له مخاطر الاستمرار في حال الحزن، وهي إما المرض المضعف القوة، وإما الهلاك والموت، وهذا أمر واقعي مطابق لأحوال الناس.
انما اشكو بثي وحزني الى
قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) ( قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) أي: أجابهم عما قالوا بقوله: ( إنما أشكو بثي وحزني) أي: همي وما أنا فيه) إلى الله) وحده ( وأعلم من الله ما لا تعلمون) أي: أرجو منه كل خير. وعن ابن عباس: ( وأعلم من الله ما لا تعلمون) [ يعني رؤيا يوسف أنها صدق وأن الله لا بد أن يظهرها وينجزها. وقال العوفي عن ابن عباس: ( وأعلم من الله ما لا تعلمون) أعلم أن رؤيا يوسف صادقة ، وأني سوف أسجد له. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، عن حفص بن عمر بن أبي الزبير ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: " كان ليعقوب النبي - عليه السلام - أخ مؤاخ له ، فقال له ذات يوم: ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك ؟ قال: الذي أذهب بصري البكاء على يوسف ، وأما الذي قوس ظهري فالحزن على بنيامين ، فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال: يا يعقوب ، إن الله يقرئك السلام ويقول لك: أما تستحيي أن تشكوني إلى غيري ؟ فقال يعقوب: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله. فقال جبريل ، عليه السلام: الله أعلم بما تشكو ".
انما اشكو بثي وحزني الى الله
[٤] ولا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم، وإنما أشكو همي الشديد وأسفي وما أنا فيه إلى الله وحده داعياً له وملتجئاً إليه، فخلوني لأمري وشكايتي وحزني، فإني أعلم من الله ما لا تعلمون، أي أرجو منه كل خير ولن يضيعني؛ لأنّي أعلم من صنعه وإحسانه، ورحمته وحسن ظني به أنه سيأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب، فهو -عليه السلام- يعلم أن رؤيا يوسف حق وصدق، وسيظهرها ويحقّقها الله -تعالى- عاجلاً أو آجلاً. [٥] ومن الدروس التي يمكن أن الاستفادة منها من هذه الآية الكريمة؛ أن الإنسان مهما أصابه من الحزن والهمّ لا ينبغي أن يشكو همّه وحزنه لغير الله -تعالى-؛ فلا أحد يحب منفعته ويريد له الخير سواه، والمسلم عليه أن يتحلى بالصبر دائماً، وأن يتوكل على الله -تعالى- موقناً أنه لا بد أن يكشف همّه ويزيل غمه. [٦]
الآية الكريمة
يقول -سبحانه- في هذه الآية: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ، [٧] وقد وردت هذه الآية في سورة يوسف ورقمها (86)، وسميت سورة يوسف بهذا الاسم لأنها تحدثت عن قصة نبي الله -تعالى- يوسف -عليه السلام- كاملة، ولم تذكر قصته في غيرها، وهي سورة مكية نزلت بعد سورة هود، وقبل سورة الحجر، وهي السورة الثالثة والخمسين في ترتيب نزول السور.
فقدناك سماحة الشيخ بقلوب كسيرة ونفوس حزينة وعيون دامعة ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا تبارك وتعالى. عزاؤنا فيك سماحة الشيخ أن لكل شيء منتهى و لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38]، وإن كل شيء هالك إلا وجهه وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:28]، وأن الموت سنة ماضية وأن نبينا محمدًا ﷺ قد انتقل إلى الرفيق الأعلى وأن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى. فأسأل الله جل وعلا أن يرحمك ويجعلك مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] وأن يصلح لك الذرية وأن يعظم لك الأجر، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [1]
جريدة الجزيرة، الأحد 1 صفر 1420هـ.
وفي سيرة الأنبياء والصالحين دروس للمصابين ،وهم يشكون ما أصابهم إلى ربهم فتكون عاقبة شكواهم سكون القلب وتفريج للكرب. فهذا نبي الله يعقوب(عليه السلام) يقول لأبنائه: "قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" (يوسف:86). فكأنه يقول لهم: إليكم عني، دعوني وربي ، فأنتم لا تعيشون مأساتي ،ولا تعلمون ما أحسّ به من أمل وتفاؤل وحسن ظن بالله ، وكأنه يريد أن يقول: يا رب ، يامن إليك التجأت ، وبك اعتصمت، وعليك توكلت، وإليك ألقيت أمورى، فلا فارج لهمي ولا كاشف لبلواي إلا أنت، يا صاحب الركن الشديد ، أشهدك أنى قد آويت الى ركنك الشديد ، فارزقني حسن الشكاية ، ولا تحرمني منك حسن الكفالة والرعاية والستر و الكفاية. يا رب: ردني إليك ردا جميلا، وانسج لي حبلا جديدا من حبالك أمسك به واعتصم، يا رب: امنن على بفضل منك ورحمة ،وأنزل علي رحمة من رحماتك ،وكرما من كرمك، وحفظا من حفظك، فلا يكن لأحد بعدك سلطان علىّ.