أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
بداية وقبل أن أسهب في مغزى هذه العبارة التي بتنا نرددها ونسمعها في أغلب النقاشات والحوارات- مع العلم أن الكثير من المتحاورين لا يطبقونها- أقول إنني بحثت عن مصدر هذه المقولة فلم أجد جوابا مؤكدا إلا أنه يقال بأن الشاعر أحمد شوقي هو قائلها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه المقولة صحيحة بالمطلق وأنها تصلح لكل شيء؟! رسالة الى صديق تبين فيها ان اختلافك معه في الراي لا يفسد.... أم أنها عبارة مغلوطة؟! هنا أود أن أوضح للقارئ أن هذه المقولة بالطبع لا تتناسب مع العقائد والثوابت فلا يعقل أن يدور نقاش حول عقيدة من عقائدنا الثابتة المسلم بها كعقيدة التوحيد مثلا وأخرج من هذا النقاش لأنني لا أريد إفساد الود بيني وبين ذلك الإنسان الملحد مثلا!!! لأن هذا الرأي في الإلحاد مثلا أو في جواز الزنا كما يطالب فيه البعض مثلا لا مجال فيه للحوار ولا مجال فيه للإبقاء على الود بين المتناقشين لأن هذه الأمور عقائدية بحتة لا يمكن التنازل عنها أو التساهل فيها، لكن إذا كان الموضوع موضوع خلافي عندها نستطيع القول والعمل بهذه العبارة، الاختلاف لا يفسد للود قضية. وقبل أن أبدأ بالإسهاب في رؤيتي لهذه المقولة أود أن أوضح أن الاختلاف بين الناس ُسنةٌ كونية، وهو الأمر الطبيعي، وإلا لخلق الله سبحانه وتعالى الخلائق جميعها على نفس الديانة، ونفس الخِلقة، ونفس الأخلاق، ونفس الأفكار والتوجهات والأذواق، ونفس الألوان… إلخ.
رسالة الى صديق تبين فيها ان اختلافك معه في الراي لا يفسد...
صاحب المقولة الشهيرة:" الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية"، هو أحمد لطفي النقيب الرابع للمحامين الذى ولد في 15 يناير 1872 بقرية برقين، مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وتخرج من مدرسة الحقوق سنة 1889م، تعرف أثناء دراسته على الإمام محمد عبده وتأثر بأفكاره، كما تأثر بملازمة جمال الدين الأفغاني مدة في أسطنبول، وبقراءة كتب أرسطو، ونقل بعضها إلى العربية. عمل أحمد لطفى السيد وزيرا للمعارف ثم وزيرا للخارجية، ثم نائبا لرئيس الوزراء في وزارة إسماعيل صدقي، ونائبا في مجلس الشيوخ المصرى، ورئيسا لمجمع اللغة العربية، وفي أثناء عمله كرئيس للمجمع عرض عليه الضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو 1952 أن يصبح رئيسا لمصر لكنه رفض، وعمل رئيسا لدار الكتب المصرية، ومديرا للجامعة المصرية، كما أسس عددا من المجامع اللغوية والجمعيات العلمية. وكان أحمد لطفي السيد وراء حملة التبرعات الخاصة بإنشاء أول جامعة أهلية في مصر العام 1908 الجامعة المصرية"، والتي تحولت في 1928 إلى جامعة حكومية تحت اسم جامعة فؤاد الأول، جامعة القاهرة فيما بعد، كما تبنى المفهوم الليبرالي للحرية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، مناديا بتمتع الفرد بقدر كبير من الحرية وبغياب رقابة الدولة على المجتمع، ومشددا على ضرورة أن يكون الحكم قائما على أساس التعاقد الحر بين الناس والحكام، توفي أحمد لطفي السيد في 5 مارس العام 1963 بالقاهرة.
"اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، هذه العبارة شائعة الاستعمال والتي لا أدري من صاغها في البدء ولا كيف عممت لتصبح واحدة من أهم العبارات وأشهرها في العصر الحديث بين فئات المتبادلين رأيا. يقولها البعض أحيانا وهم متوجسين خائفين من إغضاب الآخرين ممن اختلفوا معهم في الرأي، خاصة إن كان هؤلاء ممن تربطهم به العلاقة الطيبة. ويقولها آخرون وهم يضمرون بتعمد وإصرار عكسها في نفوسهم، وأفرغها غيرهم من المعنى ورددها بآلية، أو أن يقولها قائل لكبح جماح حالة غضب يراها بين متحاورين، ويبقى دائما من آمن بها وجاهد ليعيش المفهوم حقيقة واقعة. حالة من الانقسام الحاد والاستقطاب المرضي، أصبحت السمة السائدة بين الناس على مستويات عدة في القرى والمدن، بين أفراد الأسرة والأصدقاء والمعارف، الجميع أصبح يمارس نوعا من الرذيلة الحوارية، ليصبحوا مجرد قوافل ردود وقذف على كل ما يتحرك لمجرد خلاف في الرأي. وهم بردودهم النمطية قد تعدوا على المنطق السليم، وابتعدوا عن الحوار بمفهومه ومضمونه الذي طالما تمنيناه كثيرا، وبفضل الإعلام الأصفر الكاذب والطابور الخامس الذين لا همٌ لهم إلا خلق الفتن والاحقاد والنخب منزوعة الضمير ساد المجتمع مناخ من الخصومة المريرة والعداء والكراهية الممسوسة شرقا وغربا.
"