"وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" (سورة غافر: الآية 60)، فالدعاء يصل الخلق بالخالق، ويعبر عن إيمان عميق بأن هناك إلهاً قديراً على كل شيء، بيده الأمر كله، يقدم المساعدة لمن يطلبها وفى أي وقت.. بابه مفتوح لا يغلق في وجه أحد مهما عظم أو صغر.. نلجأ إليه في كل وقت وخصوصاً في الشدة.. ولكن كيف يكون الدعاء؟ فالدعاء له آداب وشروط حتى يتحقق.. ولن نجد خيراً من الأدعية التي دعا بها الأنبياء، عليهم السلام ربهم، والتي وردت في القرآن الكريم، وفي صحيح سنّة المصطفى، صلى الله عليه وسلم. ولقد مر الأنبياء بمواقف صعبة لم ينقذهم منها إلا صدق دعائهم، حيث كانت لهم في هذه المواقف أنبل الكلمات وأجمل الألفاظ التي تجسد حسن التوسل ومناجاة الله وحده، ومن خلال هذه الحلقات نتعرف إلى المواقف التي تعرض لها الأنبياء الكرام وإلى الأدعية التي دعوا بها ونتعلم كيف يكون الدعاء. ربي إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا. "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" (سورة الأعراف: الآية 23). خلق الله عز وجل الإنسان في أجمل صورة وزينها بعقل راجح وفؤاد ذكي وفطنة موفورة ونظرة سليمة ليكون بهذه الصفات أهلاً لتلقي ما يعلمه الله من حقائق الكون وأسراره مما لا يمكن الإلمام به واستيعابه إلا بمثل هذه الاستعدادات العقلية والروحية، كما علّمه الأسماء كلها، بل زاد رب العزة في كرمه على آدم أن جعل الملائكة تسجد له، وكان لا بد من اختبار آدم حتى تتحقق مشيئة الله عز وجل بإعمار الأرض.
- قال ربي اني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له
- ربي اني ظلمت نفسي واسلمت
- ربي إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا
قال ربي اني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له
(261) الأثر: 774 - ابن كثير 1: 147 ، والدر المنثور 1: 59 ، والشوكاني 1: 58 ، وسيأتي برقم: 792. (262) في المطبوعة: "لإجماع الحجة من القراء". والقَرَأَة: جمع قارئ ، كما سلف مرارًا ، انظر ما مضى ص 524. (263) الخبر: 775 - في ابن كثير 1: 147 ، والدر المنثور 1: 58 ، والشوكاني 1: 57. (264) الخبر: 777 - لم أجده بلفظه في مكان. (265) الأثر 778 - في ابن كثير 1: 147. (266) الأثر: 779 - في ابن كثير 1: 147. (267) الأثر: 780 - لم أجده بنصه في مكان. (268) الأثر: 781 - في ابن كثير 1: 47. والدر المنثور 1: 59. (269) الأثر: 786- لم أجده في مكان. وعبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: ثقة ، مترجم في التهذيب ، وقال مصعب الزبيري: "وكان رجلا صالحًا". وقال أبو زرعة: "معاوية ، وعبد الرحمن ، وخالد - بنو يزيد بن معاوية: كانوا صالحي القوم". وأما الراوي عنه "حميد بن نبهان" فلم أجد له ترجمة ولا ذكرًا ، وأخشى أن يكون محرفًا عن شيء لا أعرفه. (270) الأثر: 787- في ابن كثير 1: 147 ، والدر المنثور 1: 59 ، والشوكاني 1: 58. (271) الأثر: 788- في ابن كثير 1: 147. ربي اني ظلمت نفسي واسلمت. (272) الأثر: 789- انظر الأثر السالف رقم: 787. (273) الأثر: 790- لم أجده في مكان.
ربي اني ظلمت نفسي واسلمت
قال: فكما كتبته عليّ فاغفره لي. قال: فهو قول الله: " فتلقَّى آدم من ربه كلمات " (268). 782 - وحدثنا ابن سنان، قال: حدثنا مؤمَّل، قال: حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رُفَيع، قال: أخبرني من سمع عُبيد بن عُمير، بمثله. 783 - وحدثنا ابن سنان، قال: حدثنا وكيع بن الجراح، قال: حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عمن سمع عبيد بن عمير يقول: قال آدم، فذكر نحوه. 784 -وحدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، قال: أخبرني من سمع عبيد بن عمير، بنحوه. 785 - وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرَّزَّاق، قال: أخبرنا الثوري ، عن عبد العزيز، عن عبيد بن عمير بمثله. قال ربي اني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له. وقال آخرون بما:- 786 - حدثني به أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن شَريك، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن حميد بن نبهان، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، أنه قال: قوله: " فتلقى آدمُ من ربه كلمات فتاب عليه " ، قال آدم: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك، تب عليّ إنك أنت التواب الرحيم. (269) 787- وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو غسان، قال: أنبأنا أبو زهير -وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: أخبرنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، وقيس- جميعًا عن خُصَيف، عن مجاهد في قوله: " فتلقى آدم من ربه كلمات " ، قال قوله: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا ، حتى فرغ منها.
ربي إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا
وقيل: إن سليمان إنما أمر ببناء الصرح على ما وصفه الله, لأن الجنّ خافت من سليمان أن يتزوّجها, فأرادوا أن يزهدوه فيها, فقالوا: إن رجلها رجل حمار, وإن أمها كانت من الجنّ, فأراد سليمان أن يعلم حقيقة ما أخبرته الجنّ من ذلك. *ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب القرظيّ, قال: قالت الجنّ لسليمان تزهِّده في بلقيس: إن رجلها رجل حمار, وإن أمها كانت من الجنّ. رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ( بطاقة دعوية ). فأمر سليمان بالصرح, فعُمِل, فسجن فيه دواب البحر: الحيتان, والضفادع; فلما بصرت بالصرح قالت: ما وجد ابن داود عذابا يقتلني به إلا الغرق؟ (حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا) قال: فإذا أحسن الناس ساقا وقدما. قال: فضنّ سليمان بساقها عن الموسى, قال: فاتخذت النورة بذلك السبب. وجائز عندي أن يكون سليمان أمر باتخاذ الصرح للأمرين الذي قاله وهب, والذي قاله محمد بن كعب القرظيّ, ليختبر عقلها, وينظر إلى ساقها وقدمها, ليعرف صحة ما قيل له فيها. وكان مجاهد يقول -فيما ذكر عنه في معنى الصرح- ما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: &; 19-474 &; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( الصرْحَ) قال: بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها.
القول في تأويل قوله تعالى: فَتَابَ عَلَيْهِ قال أبو جعفر: وقوله: " فتاب عليه " ، يعني: على آدم. والهاء التي في " عليه " عائدة على آدَمُ. وقوله: " فتاب عليه " ، يعني رَزَقه التوبة من خطيئته. والتوبة معناها الإنابة إلى الله، والأوبةُ إلى طاعته مما يَكرَهُ من معصيته. القول في تأويل قوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قال أبو جعفر: وتأويل قوله: " إنه هو التواب الرحيم " ، أن الله جل ثناؤه هو التوّاب على من تاب إليه - من عباده المذنبين - من ذنوبه، التارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه. وقد ذكرنا أن معنى التوبة من العبد إلى ربّه، إنابتُه إلى طاعته، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يَسْخَطه من الأمور التي كان عليها مقيمًا مما يكرهه ربه. فكذلك توبة الله على عبده، هو أن يرزقه ذلك، ويؤوب له من غضبه عليه إلى الرضا عنه (277) ، ومن العقوبة إلى العفو والصفح عنه. وأما قوله: " الرحيم " ، فإنه يعني أنه المتفضل عليه مع التوبة بالرحمة. ورحمته إياه، إقالة عثرته، وصفحه عن عقوبة جُرمه. ------------- الهوامش: (259) في المطبوعة: "أخذ. ربي اني ظلمت نفسي . - السيدة. وقيل: أصله" ، وهو خطأ. (260) في المطبوعة: "... يستقبله عند قدومه من غيبة أو سفر فكذلك ذلك في قوله" ، تصرف نساخ.
وبهذا يكون المعنى سليما ، وينتفي التوهم الذي يظنه السائل في
الآية. قد يكون لإشكال السائل وجه – من حيث قواعد النحو - إذا كان سياق
الكلام:
( إني ظلمت نفسي: أسلمت مع سليمان) بحذف حرف العطف ، على أن
الجملة الثانية بدل من الجملة الأولى ، كقوله تعالى:
( وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً: يُضَاعَفْ لَهُ
الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) الفرقان/68-69
فإن مضاعفة العذاب هي بيان وتوضيح للإثم الذي يلقاه مرتكب
الكبائر. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة البقرة - الآية 37. كما قد يكون لهذا الإشكال وجه – من حيث قواعد اللغة – لو كان حرف
العطف هو الفاء ، فكان الكلام: إني ظلمت نفسي فأسلمت مع سليمان. فإن الفاء تفيد – كثيرا – مع الترتيب ( التسبب) ، أي الدلالة
على السببية في عطف الجمل ، نحو: رمى الصياد الطائر فقتله. انظر "النحو
الوافي" (3/574)
أَمَا وقد جاء السياق القرآني على الوجه البَيِّنِ الجَلِيِّ:
( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ
سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
فليس لإشكال السائل أي محل من الفهم الصحيح للسياق ، وقواعد
النحو العربي. والله أعلم.