( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا). ثم قال تعالى: ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا). قال مسروق: لما نزل قوله: ( من يعمل سوءا يجز به). قال أهل الكتاب للمسلمين: نحن وأنتم سواء ، فنزلت هذه الآية إلى قوله: ( ومن أحسن دينا) وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم: " يدخلون الجنة " بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله ، وكذلك في سورة مريم وفي حم المؤمن ، والباقون: بفتح الياء ، وضم الخاء في هذه السور جميعا على أن الدخول مضاف إليهم ، وكلاهما حسن ، والأول أحسن ؛ لأنه أفخم ، ويدل على مثيب أدخلهم الجنة ويوافق: ( ولا يظلمون). وأما القراءة الثانية فهي مطابقة لقوله تعالى: ( ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم) [الزخرف: 70] ، ولقوله: ( ادخلوها بسلام) [الحجر: 46]. والله أعلم. المسألة الثانية: قالوا: الفرق بين " من " الأولى والثانية ، أن الأولى للتبعيض ، والمراد: من يعمل بعض الصالحات ؛ لأن أحدا لا يقدر على أن يعمل جميع الصالحات ، بل المراد أنه إذا عمل بعضها حال كونه مؤمنا استحق الثواب. واعلم أن هذه الآية من أدل الدلائل على أن صاحب الكبيرة لا يبقى مخلدا في النار ، بل ينقل إلى الجنة ؛ وذلك لأنا بينا أن صاحب الكبيرة مؤمن ، وإذا ثبت هذا فنقول: إن صاحب الكبيرة إذا كان قد صلى وصام وحج وزكى وجب بحكم هذه الآية أن يدخل الجنة ، ولزم بحكم الآيات الدالة على وعيد الفساق أن يدخل النار ، فأما أن يدخل الجنة ، ثم ينقل إلى النار فذلك باطل بالإجماع ، أو يدخل النار ثم ينقل إلى الجنة فذلك هو الحق الذي لا محيد عنه والله أعلم.
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى
ومن يعمل وقوله ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما. ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما لما ذكر الظالمين ووعيدهم ثنى بالمتقين وحكمهم وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون أي. فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون 94 يقول تعالى ذكره. القول في تأويل قوله تعالى. ومن يعمل من صالحات الأعمال وذلك فيما قيل أداء فرائض الله التي فرضها. من ربهم غفور رحيم.
ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن
ذكْر مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا في مَعْنَى قَوْله: { فَلَا يَخَاف ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}. 18379 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار, قَالَا: ثنا ابْن عَطيَّة, عَنْ إسْرَائيل, عَنْ سمَاك, عَنْ عكْرمَة, عَنْ ابْن عَبَّاس { لَا يَخَاف ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قَالَ: هَضْمًا. غَصْبًا. * - حَدَّثَني عَليّ, قَالَ: ثنا أَبُو صَالح, قَالَ: ثني مُعَاويَة عَنْ عَليّ عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ: { لَا يَخَاف ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قَالَ: لَا يَخَاف ابْن آدَم يَوْم الْقيَامَة أَنْ يُظْلَم, فَيُزَاد عَلَيْه في سَيّئَاته, وَلَا يُظْلَم فَيُهْضَم في حَسَنَاته. 18380 - - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد, قَالَ: ثَنْي أَبي, قَالَ: ثني عَمّي, قَالَ: ثني أَبي, عَنْ أَبيه, عَنْ ابْن عَبَّاس, قَوْله: { وَمَنْ يَعْمَل منْ الصَّالحَات وَهُوَ مُؤْمن فَلَا يَخَاف ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} يَقُول: أَنَا قَاهر لَكُمْ الْيَوْم, آخُذكُمْ بقُوَّتي وَشدَّتي, وَأَنَا قَادر عَلَى قَهْركُمْ وَهَضْمكُمْ, فَإنَّمَا بَيْني وَبَيْنكُمْ الْعَدْل, وَذَلكَ يَوْم الْقيَامَة. 18381 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج, قَالَ: سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول: أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان, قَالَ: سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله: { فَلَا يَخَاف ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} أَمَّا هَضْمًا فَهُوَ لَا يَقْهَر الرَّجُل الرَّجُل بقُوَّته, يَقُول اللَّه يَوْم الْقيَامَة: لَا آخُذكُمْ بقُوَّتي وَشدَّتي, وَلَكنَّ الْعَدْل بَيْني وَبَيْنكُمْ, وَلَا ظُلْم عَلَيْكُمْ.
ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى
فإن قلت: فما فائدة عطف { هضما} على { ظلما} فنفي (الظلم) نفي لـ (الهضم)؟ أجاب الشيخ الشعراوي عن هذا، فقال: لأنه مرة يُبطل الثواب نهائياً، ومرة يقلل الجزاء على الثواب. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الصدد، قوله: { فلا يخاف ظلما ولا هضما}، قال: { هضما}: غصباً، قال: لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يُظلم، فيزاد عليه في سيئاته، ولا يُظلم فيهضم في حسناته. وجاء في رواية ثانية عنه، قوله: { فلا يخاف ظلما ولا هضما}، يقول: أنا قاهر لكم اليوم، آخذكم بقوتي وشدتي، وأنا قادر على قهركم وهضمكم، فإنما بيني وبينكم العدل، وذلك يوم القيامة. وروي نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما عن عدد من التابعين. وعلى الجملة فالمعنى: أن المؤمن بالله حق الإيمان لا يخاف من الله أن يظلمه، فيحمل عليه سيئات غيره، فيعاقبه عليها، ولا يخاف أن يهضمه حسناته، فينقصه ثوابها. وهكذا ينقسم الناس في الموقف يوم القيامة قسمين:
قسم ظالمُ لنفسه بكفره وشركه وشره، فهؤلاء لا ينالهم إلا الخيبة والحرمان، والعذاب الأليم في جهنم، وسخط الديان. وقسم آمن الإيمان المأمور به والمطلوب، وعَمِلَ صالحاً من واجب ومسنون، فلا يخاف زيادة في سيئاته، ولا نقصاً من حسناته، بل تُغفر ذنوبه، وتطهر عيوبه، وتضاعف حسناته، كما قال تعالى: { وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} (النساء:40).
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته. اختيار هذا الخط