الأمر بالعدل والإحسان
والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي
الحمد لله الذي أمر عباده بكل خير ونهاهم عن كل شر، وأشهد أن لا إله إلا الله المتفرد بالكمال والجلال العزيز المتعال، له الحمد والشكر في الأولى والآخرة وإليه المآل. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فأدى الرسالة وبلغ الأمانة ورأف بالأمة، وجعل كلمة الله هي العليا، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: ١٢٨]، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن سلك نهجهم إلى يوم الدين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. أما بعد:
اعلموا أيها المسلمون: أن الله جل وعلا يقول: ﴿ إ ِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: ٩٠]. فالله جل وعلا يأمركم بالفضائل وينهاكم عن الرذائل، وما من أحد أحرص على نفع عباده من الله جل وعلا، فهو يحب عباده المؤمنين ويدعوهم إلى مكارم الأخلاق، وينهاهم عن سفاسفها، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها ".
ان الله يامر بالعدل والاحسان وايتاء
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي
وقوله: { وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ} وهو كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع والفطر كالشرك بالله والقتل بغير حق والزنا والسرقة والعجب والكبر واحتقار الخلق وغير ذلك من الفواحش. ويدخل في المنكر كل ذنب ومعصية متعلق بحق الله تعالى. وبالبغي كل عدوان على الخلق في الدماء والأموال والأعراض. فصارت هذه الآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات لم يبق شيء إلا دخل فيها، فهذه قاعدة ترجع إليها سائر الجزئيات، فكل مسألة مشتملة على عدل أو إحسان أو إيتاء ذي القربى فهي مما أمر الله به. وكل مسألة مشتملة على فحشاء أو منكر أو بغي فهي مما نهى الله عنه. وبها يعلم حسن ما أمر الله به وقبح ما نهى عنه، وبها يعتبر ما عند الناس من الأقوال وترد إليها سائر الأحوال، فتبارك من جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور والفرقان بين جميع الأشياء. ان الله يامر بالعدل والاحسان وايتاء. ولهذا قال: { يَعِظُكُمْ بِهِ} أي: بما بينه لكم في كتابه بأمركم بما فيه غاية صلاحكم ونهيكم عما فيه مضرتكم. { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ما يعظكم به فتفهمونه وتعقلونه، فإنكم إذا تذكرتموه وعقلتموه عملتم بمقتضاه فسعدتم سعادة لا شقاوة معها.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى
وقوله ( وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) يقول: وإعطاء ذي القربى الحقّ الذي أوجبه الله عليك بسبب القرابة والرحم. كما حدثني المثنى وعلي، قالا ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) يقول: الأرحام. وقوله ( وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ) قال: الفحشاء في هذا الموضع: الزنا. * ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، وعليّ بن داود، قالا ثنا عبد الله بن صالح، عن عليّ، عن ابن عباس ( وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ) يقول: الزنا. وقد بيَّنا معنى الفحشاء بشواهده فيما مضى قبل. إن الله يأمر بالعدل والإحسان | موقع البطاقة الدعوي. وقوله ( والبَغْيِ) قيل: عُنِيَ بالبغي في هذا الموضع: الكبر والظلم. * ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، وعليّ بن داود، قالا ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( والبَغْيِ) يقول: الكبر والظلم. وأصل البغي: التعدّي ومجاوزة القدر والحدّ من كلّ شيء. وقد بيَّنا ذلك فيما مضى قبل. وقوله ( يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يقول: يذكركم أيها الناس ربكم لتذكروا فتنيبوا إلى أمره ونهيه، وتعرفوا الحقّ لأهله. كما حدثني المثنى وعليّ بن داود، قالا ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( يَعِظُكُمْ) يقول: يوصيكم ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) فالعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كل وال ما عليه تحت ولايته سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء ونواب الخليفة، ونواب القاضي. والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأمرهم بسلوكه، ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك فلا تبخس لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي. فالعدل واجب، والإحسان فضيلة مستحب وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والعلم، وغير ذلك من أنواع النفع حتى إنه يدخل فيه الإحسان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره. وخص الله إيتاء ذي القربى -وإن كان داخلا في العموم- لتأكد حقهم وتعين صلتهم وبرهم، والحرص على ذلك. ويدخل في ذلك جميع الأقارب قريبهم وبعيدهم لكن كل ما كان أقرب كان أحق بالبر.