فتصدق ضرورته إلى المولى ، فيخلص إليه في اللجاء ، وهو المجيب للمضطر إذا دعاه ، وكذلك دعوة الوالد على ولده ، لا تصدر منه مع ما يعلم من حنته عليه وشفقته ، إلا عند تكامل عجزه عنه وصدق ضرورته; وإياسه عن بر ولده ، مع وجود أذيته ، فيسرع الحق إلى إجابته. قوله تعالى: ( ويكشف السوء) أي الضر. وقال الكلبي: الجور. ويجعلكم خلفاء الأرض أي سكانها يهلك قوما وينشئ آخرين. وفي كتاب النقاش: أي ويجعل أولادكم خلفا منكم. وقال الكلبي: خلفا من الكفار ينزلون أرضهم ، وطاعة الله بعد كفرهم. أإله مع الله على جهة التوبيخ; كأنه قال أمع الله ويلكم إله; ف ( إله) مرفوع ب ( مع). ويجوز أن يكون مرفوعا بإضمار ( إله مع الله يفعل ذلك فتعبدوه) والوقف على ( مع الله) حسن. قليلا ما تذكرون قرأ أبو عمرو وهشام ويعقوب: ( يذكرون) بالياء على الخبر ، كقوله: بل أكثرهم لا يعلمون و تعالى الله عما يشركون فأخبر فيما قبلها وبعدها; واختاره أبو حاتم. الباقون بالتاء خطابا لقوله: ويجعلكم خلفاء الأرض. قوله تعالى: أمن يهديكم أي يرشدكم الطريق في ظلمات البر والبحر إذا سافرتم إلى البلاد التي تتوجهون إليها بالليل والنهار. امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء سورة. وقيل: وجعل مفاوز البر التي لا أعلام لها ، ولجج البحار كأنها ظلمات; لأنه ليس لها علم يهتدى به.
امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء سورة البقرة
[1]
معناها
﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ﴾ ، المراد بإجابة المضطر إذا دعاه استجابة دعاء الداعين وقضاء حوائجهم، وإنما أخذ وصف الاضطرار ليتحقق بذلك من الداعي حقيقة الدعاء والمسألة، إذ ما لم يقع الإنسان في مضيقة الاضطرار وكان في مندوحة من المطلوب لم يتمحض منه الطلب. ثم قيّده بقوله: ﴿إِذا دَعاهُ﴾ للدلالة على أن المدعو يجب أن يكون هو الله. امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء سورة المدثر. [2]
ورأس المضطرين المذنب الذي يدعو ويسأل المغفرة ، من الله، ومنهم الخائف الذي يسأله الأمن، والمريض الذي يطلب العافية، والمحبوس الذي يطلب الخلاص، فإن الكل إذا ضاق بهم الأمر فزعوا إلى رب العالمين وأكرم الأكرمين. ﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ أي: يدفع الشدة وكل ما يسوء ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ﴾ ، يخلف كل قرن منكم القرن الذي قبله فيهلك قرنا و ينشئ قرنا، وقيل: يجعلكم خلفاء من الكفار بنزول بلادهم، وطاعة الله تعالى بعد شركهم وعنادهم ﴿أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ﴾ أي قليلا ما تتعظون. [3]
تفسيرها في الروايات
لقد ذُكر في الروايات الإسلامية عدّة تفاسير لهذه الآية ، منها:
عن الشيخ المفيد في ( أماليه)، عن عمران بن الحصين ، قال: كنت أنا وعمر بن الخطاب جالسين، عند النبي وعلي جالس إلى جنبه، إذ قرأ رسول الله: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ﴾ ، [4] قال: فانتفض علي انتفاضة العصفور، فقال له النبي: «ما شأنك تجزع؟» فقال: «ما لي لا أجزع، والله يقول إنه يجعلنا خلفاء الأرض؟».
امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء سورة المدثر
وهو أيضاً مستعار للإزالة بقرينة تعديته إلى السوء. والمعنى: من يزيل السوء. وهذه مرتبة الضروري فإن معظمها أو جميعها حفظ من تطرق السوء إلى مهم أحوال الناس مثل الكليات وهي: حفظ الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسب ، والمال ، والعرض. والمعنى: إن الله يكشف السوء عن المسوء إذا دعاه أيضاً فحذف من الجملة المعطوفة لدلالة ما ذكر مع الجملة المعطوف عليها ، أي يكشف السوء عن المستاء إذا دعاه. وظاهر التقييد بالظرف يقتضي ضمان الإجابة. والواقع أن الإجابة منوطة بإرادة الله تعالى بحسب ما يقتضيه حال الداعي وما يقتضيه معارضه من أصول أخرى ، والله أعلم بذلك. وحالة الانتفاع:} هي المشار إليها بقوله { ويجعلكم خلفاء الأرض} أي يجعلكم تعمرون الأرض وتجتنون منافعها ، فضمن الخلفاء معنى المالكين فأضيف إلى الأرض على تقدير: مالكين لها ، والملك يستلزم الانتفاع بما ينتفع به منها. وأفاد خلفاء بطريق الإلتزام معنى الوراثة لمن سبق ، فكل حي هو خلف عن سلفه. والأمة خلف عن أمة كانت قبلها جيلاً بعد جيل. وهذا كقوله تعالى حكاية لقول نوح { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [ هود: 61]. وهذه مرتبة التحسيني. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة النمل - قوله تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء - الجزء رقم21. وقد جمعت الآية الإشارة إلى مراتب المناسب وهو ما يجلب نفعاً أو يدفع ضرراً وهو من مسالك العلة في أصول الفقه.
وقال وهب بن منبه: قرأت في الكتاب الأول: إن الله تعالى يقول: ««بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السماوات بمن فيهن، والأرض بمن فيها، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجاً، ومن لم يعتصم بي، فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض، فأجعله في الهواء فأكِلهُ إلى نفسه»». وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي الصوفي، قال هذا الرجل: كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني، فركب معي ذات مرة رجل، فمررنا على بعض الطريق على طريق غير مسلوكة، فقال لي: خذ في هذه فإنها أقرب، فقلت: لا خبرة لي فيها، فقال: بل هي أقرب فسلكناها فانتهيا إلى مكان وعر وواد عميق وفيه قتلى كثيرة، فقال لي: أمسك رأس البغل حتى أنزل.