سبق إلى الإسلام وشهدت المشاهد ورسول الله على صدق إيمانه، عالم عامل، وزاهد مجاهد، أمه أول شهيدة، وأبوه خير والد. سامتهم قريش سوء العذاب ونهشت لحومهم، كالذئاب، من الملابس جردوهم، وبالقيود كبلوهم، وتحت لهيب الصحراء طرحوهم، وبالسياط ضربوهم، وبالنار أحرقوهم، وبأسوأ الكلمات وأقبح الصفات سبوهم ولعنوهم. نالوا جزاء الصابرين، وبشرهم بالجنة خاتم المرسلين، وأشرف النبيين وامتد ذكرهم في الأولين والآخرين وتحولوا إلى مثل وقدوة لأبناء المسلمين. تعلم عمار بن ياسر من النبي الكريم أن الصبر مفتاح النصر، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأن الزهد والتواضع والعدل والتقوى هي زاد المؤمن في دنياه وآخرته. قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف إيمان عمار بن ياسر: إن عمارا ملئ فقهاً إلى مشاشه، (أي إلى نخاع عظامه). وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في مرضه الأخير ردا على سؤال لأحد أصحابه حول من يؤمره إذا اختلف الناس: عليكم بابن سمية.. فإن الحق لن يفارقه أبدا. تأدب الرجال والكبار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، كما تعلم الشباب والصغار. أدرك عمار بن ياسر حقيقة الدين الحنيف فآمن به، ورأى صدق النبي وأمانته ومكارم أخلاقه فاتبعه وتعلم منه ومضى على دربه.
- فيسبوك متوسطة عمار بن ياسر في كربلاء
فيسبوك متوسطة عمار بن ياسر في كربلاء
وهي كلمات جديرة بالاحترام والتقدير، لكنها مع جلالتها وعظمتها وثِقَلها في ميزان الإنسانية لم تكن هي التي أعطت عماراً تلك القيمة التاريخية الكبيرة؛ بل إنني وجدت أن كلمات عكرمة بن أبي جهل في يوم اليرموك أوقعُ على النفوس وأخلدُ في التاريخ من كلمات عمار، وربما يرجع ذلك إلى أن عكرمة حمل إرثاً ثقيلاً من الجحود والإنكار للعقيدة الجديدة، فلما حانت لحظة إيمانه اندفع عكرمة بمقدار هذا الإرث يحطم أوتاد الوثنية لا يبالي في ذلك بشيء، فجاء موقفه أكثر وقعاً على النفوس. ونحن في كل حالٍ لا نقارن بين الموقفين الخالدين إنكاراً لقيمة أحدهما، إنما هو شعورٌ اعترانا في لحظة المرور على الموقفين أردنا أن نسجله مع إيماننا العميق بقيمة عمار وعكرمة وخلودهما في ضميرنا الاجتماعي والإنساني. إن المرحلة الثالثة والأخيرة لعمار بن ياسر -رضي الله عنه- هي أهم مراحله على الإطلاق، فإنه وإن كانت حياة عمار مدعاةَ فخرٍ، إلا أن موقفه مع علي بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) ووقوفه بجانبه أثناء حربه وقد نيّف على التسعين لهو أعظم ما يمكن أن يقال؛ إنه لموقف صعب لرجلٍ قد بلغ من العمر أرذله أن يخوض هذا الصراع الداخلي لنفسه، لقد أخبره الرسول (عليه الصلاة والسلام) ذات يوم وأخبر معه أصحابه بأن عماراً سوف تقتله الفئةُ الباغيةُ، وليس كما يظن البعض بأن تلك المقولة كانت ضماناً لعمار بأن يدخل الحرب مع عليّ لا يبالي بموته؛ فربما دخل المعركة وانتهت ولم يمت عمار ولم نعرف أيّ الفئتين كانت على حق.
محنة وبلاء:
أسلم ياسر وسمية وعمار, وأخوه عبد الله بن ياسر، فغضب عليهم مواليهم بنو مخزوم غضبًا شديدًا، وصبوا عليهم العذاب صبًّا، قال ابن هشام في السيرة النبوية: " وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر ، وبأبيه وأمه ـ وكانوا أهل بيت إسلام ـ إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم برمضاء مكة ( الرمل الحار من شدة حرارة الشمس)، فيمر بهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول: ( صبراً آل ياسر، فإنَّ موعدَكم الجنة)، فأما أمه فقتلوها، وهي تأبى إلا الإسلام ". مات ياسر ـ رضي الله عنه ـ من شدة العذاب، وأغلظت امرأته سميّة ـ رضي الله عنها ـ القول لأبي جهل فطعنها في قُبلها بحربة في يديه فماتت، وهي أول شهيدة في الإسلام. وشددوا العذاب على عمار ـ رضي الله عنه ـ بالحرِّ تارة، وبوضع الصخر الأحمر على صدره أخرى، وبغطه في الماء حتى كان يفقد وعيه، وقالوا له: لا نتركك حتى تسب محمدًا، أو تقول في اللات والعزى خيرًا، فوافقهم على ذلك مُكْرَهَا.