وكلُّ عهد كان في هذه السورة وفي غيرها, وكل صلح يصالح به المسلمون المشركين يتوادعون به، فإن " براءة " جاءت بنسخ ذلك, فأمر بقتالهم على كل حال حتى يقولوا: " لا إله إلا الله ". 16247- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يحيى بن واضح, عن الحسين, عن يزيد, عن عكرمة والحسن البصري قالا ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، نسختها الآية التي في " براءة " قوله: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ ، إلى قوله: وَهُمْ صَاغِرُونَ [سورة التوبة: 29] 16248- حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، يقول: وإن أرادوا الصلح فأرده. 16249- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، أي: إن دعوك إلى السلم =إلى الإسلام= فصالحهم عليه. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأنفال - الآية 61. (58) 16250- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، قال: فصالحهم. قال: وهذا قد نسخه الجهاد. * * * قال أبو جعفر: فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة, فقولٌ لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل. وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأنفال - الآية 61
سورة الانفال الايه 61 وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ تفسير ابن الكثير
يقول تعالى إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء فإن استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم " وإن جنحوا " أي مالوا " للسلم " أي المسالمة والمصالحة والمهادنة " فاجنح لها " أي فمل إليها واقبل منهم ذلك ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع سنين أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر.
اقرأ أيضا.. لماذا لم ترد كلمة مصلحة أو مصالح في القرآن الكريم ؟ من يحدد مصالح المسلمين ؟
ولكن حتى إذا كان معنى السلم في الآية هو ترك القتال مع العدو أو الإسلام فإن مفسروا القرآن الكريم قد اختلفوا حول ما إذا كانت هذه الآية منسوخة أم محكمة، فذهب جمهور من المفسرين على أن الآية منسوخة بقوله: فاقتلوا المشركين وقيل: ليست بمنسوخة ؛ لأن المراد بها قبول الجزية ، وقد قبلها منهم الصحابة فمن بعدهم ، فتكون خاصة بأهل الكتاب ، وقيل: إن المشركين إن دعوا إلى الصلح جاز أن يجابوا إليه ، وتمسك المانعون من مصالحة المشركين بقوله - تعالى -: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ( محمد: 35). وقيدوا عدم الجواز بما إذا كان المسلمون في عزة وقوة لا إذا لم يكونوا كذلك ، فهو جائز كما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - من مهادنة قريش ، ولكن على شرط أن يكون الاتفاق على منعة للمسلمين وعزة.