فطرة
عن الركن الثاني للحرية، وهو المساواة، يشير محمد الخضر حسين إلى أن الفطرة التي فطر الله الناس عليها تنبني على المساواة، وأن العقوبة الموضوعة في هذا الشأن، لا تفرق بين الناس تبعاً لمراتبهم الاجتماعية. ويشير، مثلاً، إلى جانب من خطب الخلفاء الراشدين، كخطبة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه: «أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم.. الخ»، وإلى نموذج من المساواة في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومن ذلك أيضاً ما كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته إلى أبو موسى الأشعري قائلاً: «ساو بين الناس في مجلسك ووجهك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حيفك». قصة عن عمر بن الخطاب. في موضوع حرية الأموال، يتحدث حسين عن ضرورات توخي الوسطية في كل ما يتعلق بالأموال كسباً وانتفاعاً وإنفاقاً، ويفصّل لأربعة مطالب في هذا الشأن كحديثه عن الوسطية وتأكيده أن الشريعة لم تغادر صغيرة ولا كبيرة من وجوه التصرفات في الأموال إلا أحصتها وعلقت عليها حكماً عادلاً، كما يعدد مراتب هذه الأموال، ويصنفها، وينظر فيها على ضوء ما يتعلق بها من جهة انتقالها. في باب حرية الدين، يضرب مؤلف الكتاب أمثلة عديدة، في ضوء ما قرره الإسلام للأمم التي يضمها تحت حمايته، بما يضمن إقامة شعائرها بإرادة مستقلة.
- القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 3
ويفصل المؤلف في هذا الشأن من الناحية الدينية، كما يتطرق إلى المسائل التي تحتم الفصل في النزاعات إن وجدت، في ضوء قانون العدل والمساواة، والقسط، تبعاً لقوله تعالى: «وأقسطوا إن الله يحب المقسطين».
في بداية بحثه يتناول حسين مفهوم الحرية في الاصطلاح اللغوي واللساني، فهو يشير إلى أن هذه الكلمة تنطوي على معان فاضلة، وهي تتردد في الخطابات اليوم إلى معنى يقارب معنى استقلال الإرادة ويشابه معنى العتق، وهو أن تعيش الأمة عيشة راضية تحت ظل ثابت من الأمن، ومن لوازم ذلك، أن يعين لكل واحد من أفرادها حد لا يتجاوزه، وتقرر له حقوق لا تعوقه عن استيفائها يد غالبة. قانون
في حديثه عن المشورة يبدأ محمد الخضر حسين بالآية الكريمة «فلا وربك لا يؤمنون، حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما». ويعلق على ذلك بتأكيده أن الشريعة قد تتمكن من النفوس الفاضلة، فتقودها على الرغم مما فيها من بأس وأنفة إلى الانصياع لقواعدها، وذلك ما أدى إلى انقياد العرب على ما كانوا عليه من صعوبة مراس، إلى قانون الشريعة جملة وتفصيلاً، كما أذن الله، سبحانه وتعالى، لنبيه الكريم بالاستشارة «وشاورهم في الأمر» تطبيباً لنفوس أصحابه، وتقريراً لسنة المشاورة للأمة من بعده. ويستكمل حسين، بالإشارة إلى الفاروق عمر بن الخطاب الذي أخذ بقاعدة المشورة في أمر الخلافة من بعده، كما يؤكد أن المشورة سنة متبعة عند بعض الأمم من قديم الزمان، وردت في قصة بلقيس حين دعاها وقومها رسول سليمان عليه السلام إلى أن لا يعلوا عليه ويأتوه مسلمين، تبعاً للآية الكريمة: «قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري مما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون».
الشارقة: عثمان حسن
يعتبر محمد الخضر حسين، شيخ الأزهر السابق، واحداً من المفكرين الذين فهموا معنى الحرية فهماً دقيقاً ونافح عنها حتى وفاته، ضد من أرادوا بها كيداً. والحرية في الإسلام، كما يصفها في كتابه الذي صدر لأول مرة في 1909 «ليست تلك التي تطلق للنفس عنان التصرف والهوى، ولا هي التي تقيد العقل والمنطق؛ بل تستند إلى قواعد تراعى بها المصلحة العامة لجموع الشعوب». الحرية، وفق حسين، تقوم على دعامتين أساسيتين هما «المشورة» و«المساواة»، وهما القاعدتان اللتان جعلهما الإسلام أصل الحكم فيه؛ فهما تضمنان تمييزَ حقوق الأفراد دون استبداد، وكذلك انتظام أداء حقوق كل الفئات والطبقات الاجتماعية. وجاء محتوى الكتاب ليفسر هاتين القاعدتين، في ضوء الفهم الإسلامي الصحيح، وعزز حسين ذلك بكثير من الآيات والوقائع التي حفل بها التاريخ الإسلامي في عهد الرسول الكريم والخلفاء الراشدين والصحابة من بعدهم. واشتملت عناوين كتاب «الحرية في الإسلام» على أبواب اختارها حسين بعناية وكلها جاءت تطبيقاً لمفاهيم الحرية مثل: المساواة، والحرية في الأموال، والحرية في الأعراض، الحرية في الدماء، والحرية في الدين، والحرية في خطاب الأمراء.
والأحاديث في هذا كثيرة. وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء ، قال الأعشى: لها حارس لا يبرح الدهر بيتها وإن ذبحت صلى عليها وزمزما وقال أيضا: وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتسم أنشدهما ابن جرير مستشهدا على ذلك. وقال الآخر: تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعا يقول: عليك من الدعاء مثل الذي دعيته لي. وهذا ظاهر ، ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة ، بشروطها المعروفة ، وصفاتها ، وأنواعها [ المشروعة] المشهورة. وقال ابن جرير: وأرى أن الصلاة المفروضة سميت صلاة ؛ لأن المصلي يتعرض لاستنجاح طلبته من ثواب الله بعمله ، مع ما يسأل ربه من حاجته. الذين يؤمنون بالغيب ومما رزقناهم ينفقون. [ وقيل: هي مشتقة من الصلوين إذا تحركا في الصلاة عند الركوع ، وهما عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفا عجب الذنب ، ومنه سمي المصلي ؛ وهو الثاني للسابق في حلبة الخيل ، وفيه نظر ، وقيل: هي مشتقة من الصلى ، وهو الملازمة للشيء من قوله: ( لا يصلاها) أي: يلزمها ويدوم فيها إلا الأشقى) [ الليل: 15] وقيل: مشتقة من تصلية الخشبة في النار لتقوم ، كما أن المصلي يقوم عوجه بالصلاة: ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) [ العنكبوت: 45] واشتقاقها من الدعاء أصح وأشهر ، والله أعلم].
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 3
الخطبة الأولى:
أمَّا بَعدُ: فِي ليلةٍ منَ الليالِي العُظْمَى فِي الإسلامِ، حينَ كانَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بمكةَ، يُلاقِي صنوفَ الهوانِ والابتلاءِ منْ أعداءِ الإسلامِ، وقدْ كانَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- نائمًا ببيتِ أمِّ هانئٍ، أيقظَ الرسولُ -عليهِ أفضلُ الصلاةِ والسلامِ- كعادتِهِ أهلَ بيتِهِ، ثُمَّ صلَّى بهمُ الغداةَ. وبعدَ أنْ انفتلَ منْ صلاتِهِ، أخبرَهُمْ بِمَا حصلَ لَهُ منْ حدثٍ جللٍ عظيمٍ، وهوَ إسراءُ اللهِ بِهِ منْ مكةَ إلَى المسجدِ الأقصَى، ثُمَّ عروجُهُ إلَى السماءِ السابعةِ، ولقاؤُهُ بِرَبِّهِ، وبعدَ أنْ أخبرَ أهلَ بيتِهِ بذلكَ، عزمَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- علَى الخروجِ منْ منزلِهِ، فلحقتْهُ أُمُّ هانئٍ تُحذِّرُهُ مِنْ أنْ يُخْبِرَ كفارَ قريشٍ بِمَا لَا تُطِيقُهُ عقولُهُمْ لِئَلَّا يكَذِّبُوهُ. فَلَمْ يَأْبَهْ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بقولِهَا، وخرجَ، حتَّى حضرَ مجامعَ قريشٍ، فأخبرَهُمْ الخبرَ، فطارُوا بهِ مكذبِّينَ، بلْ ومستهزئينَ بِهِ، ثمَّ جاءُوا إلَى الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وكأنَّهُمْ قدْ وَجَدُوا مسلكًا يَنْفُذُونَ بِهِ إلَى قَلْبِ الصِّدِّيقِ؛ ليَصُدُّوهُ عنِ الحقِّ؛ فأخْبَرُوهُ الخبرَ، فمَا أنْ زادَ علَى قَوْلِهِمْ إِلَّا أنْ قالَ: صَدَقَ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ: " إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ؟ بِخَبَرِ السَّمَاءِ غدوةً وروحةً ".
ثم رواه من حديث ضَمْرَة بن ربيعة، عن مرزوق بن نافع، عن صالح بن جبير، عن أبي جمعة، بنحوه. قال ابن كثير في التفسير: "وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوِجَادة التي اختلف فيها أهل الحديث، كما قررته في أول شرح البخاري ؛ لأنه مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم أجرًا من هذه الحيثية لا مطلقًا" (أهـ). ولعل من أهم صفات هؤلاء إيمانهم بالغيب.. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة من الآية:3] "وأما الغيب المراد ها هنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه، وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد". قال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: { يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} قال: "يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث، فهذا غيب كله". وكذا قال قتادة بن دعامة. وقال السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أما الغَيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة ، وأمر النار ، وما ذكر في القرآن. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 3. وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عِكْرِمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { بِالْغَيْبِ} قال: "بما جاء منه، يعني: مِنَ الله تعالى".