الحق من ربك فلا تكن من الممترين لما فيه من إيماء إلى أن وفد نجران ممترون في هذا الذي بين الله لهم في هذه الآيات: أي فإن استمروا على محاجتهم إياك مكابرة في هذا الحق أو في شأن عيسى فادعهم إلى المباهلة والملاعنة. ذلك أن تصميمهم على معتقدهم بعد هذا البيان مكابرة محضة، بعد ما جاءك من العلم وبينت لهم، فلم يبق أوضح مما حاججتهم به فعلمت أنهم إنما يحاجونك عن مكابرة، وقلة يقين، فادعهم إلى المباهلة بالملاعنة الموصوفة هنا.
الحق من ربك فلا تكن من الممترين
حيث يُقدم على مثل هذه الأمور، ويجترئ عليها، ويزعم أنه واثق بنفسه، فهذا لا شك أنه من التغرير بالنفس، وفي قوله: فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِين أيضًا تعريض لهؤلاء الممترين الذين وقعوا في لبس وعماية من النصارى وغيرهم ممن ضل في شأن المسيح .
التفريغ النصي - تفسير سورة البقرة [144-152] - للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
من نعم الله علي أن رزقني جيرانا مميزين في المنطقة التي انتقلنا إليها، (بو عبدالله) عن يميني، و(بوفيصل) عن يساري، كلاهما ملتزمان بصلاة الجمعة في جامعنا، (بوفيصل) يعمل في مركز خدمة المواطن، وهو في سن ابنتي الكبرى، (وبوعبدالله) متقاعد، يصغرني بعام واحد فقط. خرجنا من صلاة الجمعة عائدين إلى مساكننا مشيا على الأقدام.
[ خامساً: اتباع أكثر الناس يؤدي إلى الضلال] كما بينت لكم؛ حتى أهل المدينة [ فلذا لا يتبع إلا أهل العلم الراسخون فيه]، ولا يتبع ولا يمشى وراء أحد إلا أهل العلم، [ لقوله تعالى: وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس:89]]. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
[٣]
كيفيّة حُسن الظن بالله
حسن الظن بالله ليس بالأمر السهل، وليس كذلك بالأمر الصعب، إنما ينبغي على المسلم أن يقوم ببعض الأمور حتى يصل إلى القدرة على إحسان الظن بالله، ومن الأمور التي ينبغي على المسلم فعلها لأجل ذلك ما يأتي: [٤]
فَهم معاني أسماء الله الحسنى وإدراك صفاته، والإلمام بكل ما يُحيط بتلك الأسماء والصفات، والاطّلاع التام على مِقدار حكمة الله سبحانه وتعالى، وقدرته في خلق الخلق وإيجادهم، وحكمته في العطاء والمنع، وحكمته فيما يُصيب العبد من مصائب وابتلاءات وهموم، وحكمته في كلّ ما يمرّ بالعبد من خيرٍ وشر، وأنّ الله هو وحده المُتصرّف بذلك والقادر عليه. اجتناب المنكرات والآثام والمعاصي، والتوبة على ما اقترف من ذنوب وخطايا، فأنّ المُسلم إذا عصى الله ثم استغفره فإنّه يُدرك جيداً أنّ الله سيغفر له ما كان منه؛ لندمه على ما أذنب، وتوبته الصادقة، وعزمه ألا يعود إليه، فيكون قد وصل إلى إحسان الظن بالله. الإقبال إلى الله بحسن العمل، والسعي لإدراك أعلى المنازل في الجنة، والثقة بأن الله سيدخله في جنّته ويُنجيه من عذابه إذا ما هو قام بما أمره بالقيام به وامتنع عما حرمه ونهاه عنه، وألا يطلب الأجر والثزاب على ما يفعل إلا من الله وحده، وأن يعتقد يقيناً أن الله -سبحانه وتعالى- سيثيبه على ذلك إن التزم به، وأنه سيغفر له إن استغفره وتاب إليه.
معني حسن الظن بالله اياد القنيبي
النار الحارقة بأمر الله بردٌ وسلام، فالأمر كله بيده، النار لا تحرق إلا بإذنه، والسكين لا تقطع إلا بإذنه، والذي جعل في النار سُنة الإحراق عطَّلها، فهو الملك المتصرف في حكمه. وهذه وقفة قد يُفرج الله لك أمرًا، وييسره من شيء لا يتوقع منه إلا خلافه، فلا تيئَس وتتعلق بالأسباب، واعتصم بمسبب الأسباب، وليس معنى ذلك أن يترك الإنسان الأخذ بالأسباب، فهي واجبة، ولكن يجعل في قلبه التوكل ويتعلق بالقدير القادر.
معني حسن الظن بالله تعالي
قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفًا راجيًا، ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت، غلب الرجاء، أو محضه؛ لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات، وقد تعذر ذلك، أو معظمه في هذه الحال، فاستحب إحسان الظن، المتضمن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له. والذي يعبد الله تعالى، ويدعوه، ويستغفره، وهو موقن بالإجابة والمغفرة والرحمة، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. الحديث رواه الترمذي، وغيره، وصححه الألباني؛ لا شك أنه يحسن الظن بالله تعالى، قال ا لحسن البصري: إن المؤمن أحسن الظن بربه، فأحسَنَ العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه، فأساء العمل. ومما يرسخ حسن الظن في القلب: استحضار قول نبينا صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير ـ وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ـ إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له. رواه مسلم. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 96876 ، 131535 ، وما أحيل عليه في بعضها، ففيها المزيد من الفائدة عن هذا الموضوع. معني حسن الظن بالله تعالي. والله أعلم.
اهـ وقال الحافظ في الفتح: (أنا عند ظن عبدي بي): أجازيه بحسب ظنه بي، فإن رجا رحمتي، وظن أني أعفو عنه، وأغفر له، فله ذلك، لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له ربًّا يجازي، وإن يئس من حرمتي، وظن أني أعاقبه، وأعذبه، فعليه ذلك، لأنه لا ييأس إلا كافر). اهـ. وجاء في فيض القدير: (قال ابن أبي جمرة: معنى (ظن عبدي بي): ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكًا بصادق وعده، وقال أيضا: لا يعظم الذنب عند الحاكم عظمة تقنطك من حسن الظن بالله، فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه، لا صغيرة إذا قابلك عدله، ولا كبيرة إذا واجهك فضله. وروى ابن أبي الدنيا عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته، لكي يحسن الظن بربه، وقد قال بعض أئمة العلم: إنه يحسن جمع أربعين حديثًا في الرجاء تقرأ على المريض، فيشتد حسن ظنه بالله تعالى، فإنه تعالى عند ظن عبده به). ذكره في سبل السلام في كتاب الجنائز. معنى حسن الظن بالله تعالى - إسلام ويب - مركز الفتوى. وأما عن يقينك بأنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ أنه سيفعل بالعبد كذا وكذا، وأنه يختار لك ما تظن، وأن الذي تظنه شيء واقعي سيعطيك الله إياه: فهذا ليس صحيحًا؛ فإن استجابة الدعاء لا يلزم أن تكون بإعطاء السائل عين ما سأل، بل استجابة الدعاء تكون بإحدى ثلاث وردت في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر.