و عنه (صلى الله عليه وآله): لن يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله، قالوا: ولا أنت؟ " قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله (6). وعن الإمام علي (عليه السلام): فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته (7). و عنه (عليه السلام): " في خلقة آدم "... سعة رحمة الله (خطبة). ثم بسط الله سبحانه له في توبته، ولقاه كلمة رحمته" (8). وإلى سعة رحمة الله تعالى تشير آيات وروايات أخرى، يقول الله سبحانه وتعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِۦ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}
(9). وقال أيضا: { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وٰسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُۥ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}. (10). وقال: { وَاكْتُبْ لَنَا فِى هٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْءَاخِرَةِ إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِىٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنْ أَشَآءُ ۖ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكٰوةَ وَالَّذِينَ هُم بِـَٔايٰتِنَا يُؤْمِنُونَ}.
سعة رحمة الله
فمن أعظم من الله جودا وكرما؟! يبسط يده سبحانه بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيءُ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، فمنْ أرحم من الله -عز وجل-؟! ألم تروا -يا عباد الله- إلى من قتل مائة نفس كيف قبله الله وتاب عليه؛ لأنه أقبل إلى الله، يريد أن يتوب، فأسرع اللهُ إليه بالتوبة والقبول.
سعة رحمة الله والذاكرات
تاريخ النشر: ٠٧ / ذو القعدة / ١٤٢٨
مرات
الإستماع: 9076
جعل الله الرحمة مائة جزء
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب الرجاء أورد المصنف -رحمه الله:
حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه [1].
سعة رحمة الله الرحمن الرحيم
أيها المسلمون: لقد أمر الله -عز وجل- نبيه محمدا -صلى الله وعليه وسلم- أن يخبر العالم أجمع بأن الله غفور رحيم, فقال تعالى: ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الحجر: 49]، بل نادى ربنا -جل وعلا- كلَّ المجرمين الذين تمادوا في الذنوب والمعاصي وأسرفوا على أنفسهم ناداهم نداءً خاصا بأن لا يقنطوا من رحمته، فخاطبهم الله بـ" يا عبادي" تأليفًا لقلوبهم وتأنيسًا لأرواحهم، فقال تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر: 53]. فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجاء مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
أيها المسلمون: إن كثيرا من الناس ما فهموا معنى رحمة الله، فلذلك تمادوا في المعاصي بحجة أن الله سيغفر الذنوب، وما علموا بأن الله -جل وعلا- قد اشترط لنيل رحمته قائلا: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ)[الأعراف: 156 - 157].
سعة رحمة الله العظمى السيد
صحيح البخاري. الله قادر أن يعذب من عصاه عند أول ذنب وعند أول جرم وعند أول معصية, ولو فعل الله ذلك ماترك على ظهر الأرض من دابة لأن كل العباد خطاؤون كل العباد مذنبون, قال سبحانه:} وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا{]سورة فاطر:45[
يمهل ويمهل ويمهل حتى من كفر به وحارب دينه يمهلهم لعلهم يتوبون أو يذَّكَرون. إن الله تعالى أخبرنا أن رحمته تسبق غضبه وأن له مئة رحمة... لله مائة رحم', قال صلى الله عليه وسلم:) إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ. سعة رحمة الله - طريق الإسلام. ) صحيح مسلم. وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ كَتَبَ في كِتابِهِ فَهو عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ إنَّ رَحْمَتي غَلَبَتْ غَضَبِي)
من رحمته بعباده أنه سهل عليهم العبادة, سهل علينا التكاليف الشرعية, ماجعل علينا في الدين من حرج.
عباد الله: ما أرحم الله! وما أرأفه! وما أصبره وما أحلمه، هو الرحمن الرحيم بالمؤمنين رؤوف رحيم, ما خلقنا ليُعذبنا، وما أوجدنا ليُشقينا، وما كلفنا ليشق علينا. أنزل الكتب وأرسل الرسل وذلك من رحمته وشفقته على عباده ألا يعذبهم؛ ( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى)[طه: 1-3[. أنزل البلاء وأنزل النعماء، ينعم على قوم ليبتليهم بالنعم؛ هل يشكرون أم يكفرون, ويرسل البلاء على أقوام ليبتلي إيمانهم ويختبر صدقهم ويقينهم, لا ليعذبهم ويضيّق عليهم, بل إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، وأكثر الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؛ لأنه يأتي مع البلاء والصبر عليه.. سعة رحمة الله. يأتي معه الأجور والدرجات والرضى والرحمات. قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: " إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ "(حسنه الألباني في صحيح الترمذي). الله -جل جلاله- أرحم بنا من أنفسنا، أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا, قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: قَدِمَ علَى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إذَا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: " أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ ؟" قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى أنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: " لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا "(صحيح البخاري).
18-06-2020
لوني المفضل
Aliceblue
شكراً: 0
تم شكره 50 مرة في 45 مشاركة
رحمتي سبقت غضبي
رحمتي سبقت غضبي جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا،
وأنزل إلى الأرض جزءا واحدا،
منه يتراحم الخلق فيما بينهم حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه،
وجعل رحمته تغلب وتسبق غضبه تفضلا منه وإحسانا على مخلوقاته،
وكتب ذلك قبل أن يخلق هذا الخلق ويوجده،
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لما قضى الله الخلق كتب في كتابه
فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي)
وفي رواية: ( سبقت غضبي) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
وقفاتٌ مع الحديثِ القُدسِي: ( إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ) - ملتقى الخطباء
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) قوله تعالى: هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما. قوله تعالى: هو الذي يصلي عليكم قال ابن عباس: لما نزل إن الله وملائكته يصلون على النبي قال المهاجرون والأنصار: هذا لك يا رسول الله خاصة ، وليس لنا فيه شيء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قلت: وهذه نعمة من الله تعالى على هذه الأمة من أكبر النعم ، ودليل على فضلها على سائر الأمم. وقد قال: كنتم خير أمة أخرجت للناس. والصلاة من الله على العبد هي رحمته له وبركته لديه. وصلاة الملائكة: دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم ، كما قال: ويستغفرون للذين آمنوا وسيأتي. وفي الحديث: أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام: أيصلي ربك جل وعز ؟ فأعظم ذلك ، فأوحى الله جل وعز: ( إن صلاتي بأن رحمتي سبقت غضبي) ذكره النحاس. وقال ابن عطية: وروت فرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله ، كيف صلاة الله على عباده. قال: ( سبوح قدوس - رحمتي سبقت غضبي). واختلف في تأويل هذا القول ، فقيل: إنه كلمة من كلام الله تعالى وهي صلاته على عباده.
وهو مَكتوبٌ عندَه تَعالَى فوقَ العَرش: أنَّ رَحمتَه تَعالَى سَبَقَت غَضَبَه؛ فهو سُبحانه وتعالَى الغَفُورُ الرَّحيمُ، فكانت رَحمتُه أسبَقَ لعِبادِه من الغَضَبِ عليهم، ورِفقُه بالخَلقِ وإنعامُه عليهم ولُطفُه بهم؛ أكبَرَ من انتقامِه وأخذِه، كيف لا، وابتِداؤُه الخَلقَ وتَكميلُه وإتقانُه، وتَرتيبُه، وخَلقُ أوَّلِ نَوعِ الإنسانِ في الجنَّةِ؛ كُلُّ ذلك من رَحمتِه السَّابِقةِ؟! وكذلك ما رَتَّبَ على ذلك منَ النِّعَمِ والألطافِ في الدُّنيا والآخِرةِ، وكُلُّ ذلك رَحَماتٌ مُتلاحِقاتٌ، فهو قدِ ابتَدَأ خَلقَه بالنِّعمةِ بإخراجِهم من العَدَمِ إلى الوُجُودِ، فالرَّحمةُ تَشمَلُ الإنسانَ جَنينًا، ورَضيعًا، وفَطيمًا، وناشِئًا، من غَيرِ أن يَصدُرَ منه شَيءٌ منَ الطَّاعةِ، وبَسَطَ لهم -مِن رحمتِه- في قُلوبِ الأبَوَينِ على الأبناءِ منَ الصَّبرِ على تَربيَتِهم ومُباشَرةِ أقذارِهم؛ ما إذا تَدبَّره مُتدبِّرٌ أيقَنَ أنَّ ذلك من رَحمتِه تَعالَى.