وإذا كان التوحيد هو مفتاح الهداية، فإن عملَ الصالحاتِ والتقربَ إلى الله بسائر الطاعات هي أسنانُ ذلك المفتاح، ومن كان له حظٌ من كلِّ طاعةٍ، ونصيبٌ من كلِّ قربة؛ صار أقربُ إلى انشراح الصدر. ومن غمس نفسه في الشهوات، وأغرق قلبه بالمحرمات، أظلمت الدنيا في عينيه وضاقت به الحياة، وقد قيل في معنى قولِه تعالى ﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ﴾ [الأنعام: 125] هو الذي لا يتسع لشيء من الهدى ولا يخلص إليه شيء من الإيمان ينفعه وينقذه. ومن أسباب الهداية: استدامة ذكرِ الله تعالى، فذكر الله يجعل القلب مرتبط بالله، مما يجعله مطمئناً فينشرح الصدر، يقول الله جل وعلا: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ ، ومن ذَكَرَ الله كان ذِكْرُ الله له أعظم، قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152] وفي الحديث القدسي قال جل وعلا: (( وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيرٌ منهم)) أما من تكاسل عن ذكر الله واستهان به سلط الله عليه الشيطان قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36]. ونبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنةَ طيِّبةُ التربة، عذبةُ الماء، وأنها قيعانٌ، وأن غِرَاسَها: سبحان الله والحمد لله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)) وفي حديث آخر: أن لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة
ومن أسباب الهداية: تلاوةُ كتابِ الله، بتدبرٍ وتمعنٍ وخشوع، وهو وإن كان من أنواع الذكر إلا أنه أُفرِد لعظيم أهميته ومزيد العناية به، قال الله تعالى ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9] يهدي للتي هي أقومُ في كل شيء من أمور الدين والدنيا والآخرة.
من اسباب الهداية الدعاء
هداية الإلهام والتوفيق: وتلك الهداية تستلزم الاهتداء، حيث لا يتخلف عنها الهدى، وذلك كما ورد في قول الله سبحانه في سورة الأعراف، الآية: 178 (مَن يَهدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهتَدي). هداية الدلالة والبيان: ويقصد بها هداية التعريف، حيث عرف الخالق سبحانه عباده كل من طريق الخير وطريق الشر، وطريق الهلاك أو النجاة، ولكن تلك الهداية لا تتطلب تمام الهُدى، حيث تعد شرط وسبب ولكنها ليست موجبة للهداية، لذا أحياناً ما ينتفي في وجودها الهُدى، إذ أن الله سبحانه بعث الرسل لإرشاد ما سبق من أمم لطريق الهدى، ولكن أولئك فضلوا الضلالة عن الهدى. غاية الهداية: وهي سواء كانت الهداية إلى الجنة أو إلى النار حين يساق أهل الجنة للجنة، وأهل النار للنار. وبذلك نكون قد عرفنا في مخزن أن من أسباب الهداية هي الإيمان بالله وبرسله وأنبيائه، والتمسك بالعمل الصالح والبعد عن المعاصي والخطايا، كما وأوضحنا مفهوم الهداية وأسبابها والتي يجب على جميع المسلمين فهمها وإدراك مدى أهميتها في حياة العباد سواء بالدنيا أو الآخرة، وذلك لاعتبارها أحد مفاتيح دخول الجنة والفوز بها. المراجع
1
2
من أسباب الهداية العلم الشرعي
بل ويَلفت الخالقُ نظرَ الإنسانِ ليتأمل في نفسه فيقول: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21] فالمتأمل يزداد إيمانا بخالقه لما يرى من عجائب قدرته. ومن أسبابِ الهداية، رفقةُ الصالحين الأخيار، فكم من ضال هداه الله على أيدي جلسائه ورفقائه، فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، كما أرشد إلى ذلك المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وبين - صلى الله عليه وسلم - أثر الجليس الصالح والجليس السوء، وشبههما بحامل المسك ونافخ الكير، وشتان بين هذا وذاك. كما أوضح الله جل وعلا أن قرناء السوء في هذه الحياة يكونون يوم القيامة أعداءً، فقال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].
فبين الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه ، والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له ، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور. فهو لا يدري هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا ؟
فما باله يسلك طريق الضلال ، ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك! أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول: إن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم. أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة ، وقدريا عند الطاعة! كلا ، لا يليق بالإنسان أن يكون جبريا عند الضلالة والمعصية ، فإذا ضل أو عصى الله قال: هذا أمر قد كُتب علي وقُدِّر علي ولا يمكنني أن أخرج عما قضى الله تعالى. فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار ، وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق ، والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ، ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً ، لا يجلس في بيته ويقول: إن قُدِر لي رزق فإنه يأتيني ، بل يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا الرزق أيضا مكتوب ، كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب ، فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا ، ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم!!
وقد رويَ في سبب نزول هذه الآية - غير ما تقدم - أن الأنصار كان احتبس عليهم بعض الرزق، وكانوا قد أنفقوا نفقات، فساء ظنهم، وأمسكوا، فأنزل الله: { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: وكانت التهلكة سوء ظنهم، وإمساكهم. ومما قيل أيضًا في سبب نزول هذه الآية: { ولا تلقوا بأيديكم} فيما أصبتم من الآثام { إلى التهلكة} فتيأسوا من رحمة الله، ولكن ارجوا رحمته، واعملوا الخيراتº فعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال في قوله تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: هو الرجل يصيب الذنوب، فيُلقي بيده إلى التهلكة، يقول: لا توبة لي! قال الطبري بعد أن عرض لأسباب نزول هذه الآية: ( والصواب من القول في ذلك عندي، أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر بالإنفاق في سبيله، بقوله: { وأنفقوا في سبيل الله} وسبيله: طريقه الذي شرعه لعباده وأوضحه لهم. ومعنى ذلك: وأنفقوا في إعزاز ديني الذي شرعته لكم، بجهاد عدوكم الناصبين لكم الحرب على الكفر بي، ونهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، فقال: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. ثم يتابع الطبري فيقول: و( كذلك الآئس من رحمة الله، لذنب سلف منه، ملق بيديه إلى التهلكة، لأن الله قد نهى عن ذلك، فقال: { ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (يوسف:87) وكذلك التارك غزو المشركين وجهادهم، في حال وجوب ذلك عليه، وفي حال حاجة المسلمين إليه، مضيِّع فرضًا، ملقٍ, بيده إلى التهلكة.
إسلام ويب - تفسير البيضاوي - تفسير سورة البقرة - تفسير قوله تعالى وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين- الجزء رقم1
رمضان شهر الصيام، وهذه أعظم شعائر الشهر الكريم، إلا أن هناك البعض من أصحاب الأعذار والأمراض لايمكنهم الصوم، لما له من مخاطر صحية عليهم، الأمر الذي يسبب لهم المعاناة النفسية والشعور بالنقص، وهنا يكون قول الله تعالى "لايكلف الله نفسا إلا وسعها" هو الفيصل في هذا، فقد أمرنا الله تعالى بالحفاظ على النفس البشرية، فقد قال تعالى "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة". عفو الله
دكتور ياسر البكري الداعية الأزهري، أشار إلى أن أصحاب الأعذار ممن أعطاهم الله رخصة بالإفطار، عليهم الأخذ بهذه الرخصة وعدم تعريض صحتهم للخطر، وعليهم التقبل والرضا بما كتبه الله عليهم، وهذا يكون عن طريق التحدث معهم عن الله، وأن يفهمو رخص الله، وعفوه عن عباده، ومحبته لهم. عبادات أخرى
وأشار البكري إلى أنه علينا دعمهم في هذا، وتثبيتهم بأن هذا إبتلاء، وصاحب الإبتلاء عفى عنهم وله رخصة بالإفطار، لافتا إلى أن المفطر برخصة له ثواب الصيام بالنية، وهناك الكثير من الأعمال الحسنة التى يمكن للمفطر برخصة القيام بها، منها المشاركة في إفطار صائم، التسبيح، قراءة القرآن، المداومة على الفرائض في أوقاتها، صلاة السنن، قيام الليل، النزول إلى المساجد في صلاة الفرائض.
تفسير: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة....)
وسبب النزول هذا يفيد أن النهي لمن خشي الفقر، فأمسك ماله، وبالتالي الآية حاثة له على الإنفاق وعدم الخوف من الفقر. ويشهد لسبب النزول هذا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: لا يقولن أحدكم: إني لا أجد شيئاً، إن لم يجد إلا مشقصاً -نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض- فليتجهز به في سبيل الله. رواه الطبري بسنده. وروى الطبراني أيضاً عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: (كان الرجل يذنب الذنب، فيقول: لا يُغفر لي، فأنزل الله: { ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة}، قال السيوطي: إسناده صحيح. وعلى ضوء سبب النزول هذا، يكون المراد من النهي في الآية، عدم القنوط من رحمة الله، وحسن الظن بمغفرته لذنوب عباده. وروى الطبري عن عكرمة ، قال: لما أمر الله بالنفقة، فكانوا -أو بعضهم- يقولون: ننفق فيذهب مالنا، ولا يبقى لنا شيء! فقال: أنفقوا { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، قال: أنفقوا، وأنا أرزقكم. وهذه الرواية قريبة من حيث المعنى من رواية الطبراني المتقدمة، حيث إنها تفيد أن الإمساك عن الإنفاق في سبيل الله مخافة الفقر يؤدي بالعبد إلى الهلكة؛ لأنه مناف للاعتقاد بأن { الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات:58)، وهو أيضاً مخالف لما أمر الله به من الإنفاق في سبيله في مواطن عديدة من كتابه.
فقال القاسم بن مخيمرة، والقاسم بن محمد، وعبد الملك من علمائنا: لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان لله بنية خالصة، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة. وقيل: إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل؛ لأن مقصده واحد منهم، وذلك بين في قوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. والصحيح عندي جوازه؛ لأن فيه أربعة أوجه: الأول: طلب الشهادة. الثاني: وجود النكاية. الثالث: تجرئة المسلمين عليهم. الرابع: ضعف نفوسهم ليروا أن هذا صنع واحد، فما ظنك بالجميع. انتهـى. وبناء عليه يعلم أن الآية تحض على الجهاد والانفاق فيه، ويدخل في عمومها منع المخاطرة بالنفس فيما يوقعها في الهلاك إلا ما استثناه أهل العلم من المخاطرة في الجهاد التي تحصل بها نكاية في العدو أو كلمة الحق عند السلطان الجائر؛ لما في ذلك من النفع العظيم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر. رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري. وقال: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله. رواه الحاكم والضياء وصححه الألباني في صحيح الجامع. وقال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.