الوصية الرابعة: إقامة الصلاة:
يوصي لقمان الحكيم عليه السلام ابنه بإقامة الصلاة، فيقول فيما حكاه الله عنه: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [لقمان: 17]، وفيها من الفوائد:
1- أن الصلاة من العبادات التي لا يستغني عنها البشر، ولذلك فرضها الله وشرعها لجميع الأمم لحاجتهم إليها، فمن دونها لا يطيب عيش، ولا يهنأ بال، ولا تسكن نفس، ولا تقر عين. الصلاة هي قرة أعين الموحدين، وصلة العارفين بربهم، قال صلى الله عليه وسلم: « وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ » [2] ، وقال صلى الله عليه وسلم: « قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ » [3] ، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. وصايا لقمان الحكيم كاملة. في إقامتها تستقيم حياة المرء، فيحفظه الله بها من الوقوع في المناهي، قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، مثلها كمثل رجل على نهر جار يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء [4] ، هي كما قال صلى الله عليه وسلم: «... والصَّلَاةُ نُورٌ» [5]. وأمره ربه أن يبشِّر المصلين، قال صلى الله عليه وسلم: « بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » [6].
شرح وصايا لقمان الحكيم لابنه Pdf
وقال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 75، 76]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] تفسير ابن كثير رحمه الله (11/ 51). [2] تفسير ابن كثير رحمه الله (11 /51 – 52)، وقال محققوه: إسناده ضعيف، الأشعث هو ابن سوار، قال الحافظ: ضعيف. وهو من بلاغات ابن عباس رضي الله عنه ولا نعلم من أخبر ابن عباس بذلك! من وصايا لقمان الحكيم لابنه (مراقبة الله، وإقامة الصلاة). وقد رواه جماعة عن لقمان بهذا الوصف أو قريب منه كما سيسوقه المصنف، وهذا يشبه أن يكون قد أخذوه من مصدر واحد، ولكن لا نستطيع أن نجزم أنهم أخذوه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع إمكانية ذلك وجوازه؛ لأنه من الممكن أن يكونوا قد حملوه عن أهل الكتاب، وقد أُمروا أن يحدثوا عنهم، ولا حرج عليهم في ذلك، والله أعلم، والخبر أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره.
جاءنا من التراث قصة تحكي كيف أتته الحكمة حين نودي بالخلافة قبل داود، فقيل له يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحق؟ فقال لقمان: إن أجبرني ربي عزَّ وجل قبلت، فإني أعلم أنه إن فعلت ذلك أعانني وعلمني وعصمني، وإن خيرني ربي قبلت العافية ولا أسأل البلاء، فقالت الملائكة: يا لقمان لِمَ؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كل مكان، فيخذل أو يعان، فإن أصاب فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكون في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً ضائعاً، ومن يختار الدنيا على الآخرة فاتته الدنيا ولا يصير إلى ملك الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فغط بالحكمة غطا، فانتبه فتكلم بها. لماذا أحبه الله؟
نال لقمان الكثير من العلم والحكمة على يد سيدنا داود عليه السلام؛ حتى نال المحبة من الله سبحانه وتعالى الذي وهبه فيضاً كبيراً من العلم والحكمة، مما خوّله ليكون حكيماً وخليفة لله على الأرض، وقد عرف بلقمان الحكيم؛ والسبب في ذلك يعود إلى شدة حنكته ومهارته في حل المنازعات، حيث إنّه عمل قاضيًا لبني إسرائيل.
ــــــــــــــــــــــ
(1) أسباب النزول، ص:236. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الممتحنة - قوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر- الجزء رقم29. (2) قال الجبائي: لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا رد الرجال دون النساء، ولم يجز للنساء ذكر، وإن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ج اءت مسلمة مهاجرة من مكة، فجاء أخواها إلى المدينة فسألا رسول الله(ص) ردّها عليهما، فقال رسول الله(ص)، إن الشرط بينا وبين الرجال لا في النساء، فلم يردها عليهما. [تفسير الميزان، ج:19، ص:254]. (3) يراجع مجمع البيان، م:5، ص:410. (4) تفسير الميزان، ج:19، ص:254.
وعن الزهري قال: لما نزلت هذه الآية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) إلى قوله: ((وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)) كان ممن طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، طلق امرأتين كانتا له بمكة: ابنة أبي أمية، وابنة جرول، وطلحة بن عبيد الله، طلق زوجته أروى بنت ربيعة، ففرق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر. وكان ممن فر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نساء الكفار ممن لم يكن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فحبسها وزوجها رجلاً من المسلمين: أذينة بنت بشر الأنصارية، كانت عند ثابت بن الدحداحة، ففرت منه -وهو يومئذ كافر- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل بن حنيف أحد بني عمرو بن عوف، فولدت عبد الله بن سهل.
معنى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ | مركز الهدى للدراسات الإسلامية
فإن المراد بالكفر هنا ليس الخروج من الدين، بل المراد به مجرد عدم القيام بالواجب، لأنه يشبه الكافر في هذه الجهة فقط.. ثالثاً: قد يقوم الإنسان ببعض الأعمال التي لها لوازم غير مرضية دون أن يلتفت إلى لوازمها تلك. فإذا نبهه أحد إلى ذلك، استغفر الله وتراجع. فمثلاً نجد أن عبيدة بن الحارث الذي استشهد في حرب بدر، حين جيئ به إلى النبي «صلى الله عليه وآله» جريحاً مشرفاً على الموت، قال لرسول الله «صلى الله عليه وآله»: أما لو كان عمك لعلم أني أولى بما قال منه. قال: وأي أعمامي تعني؟! معنى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ | مركز الهدى للدراسات الإسلامية. قال أبو طالب حيث يقول: كـذبتم وبيت الله نبزي محمداً *** ولما نطاعن دونه ونناضل ونـسلمه حتى نصرع دونه *** ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله؟! وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟! فقال: يا رسول الله أسخطت علي في هذه الحالة؟. فقال: ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك 2. كما أن من يدعُّ اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، قد لا يلتفت إلى أن ذلك يؤدي به إلى التكذيب بيوم الدين. فإذا نبهه أحد إلى ذلك ارتدع وتراجع.
إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الممتحنة - قوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر- الجزء رقم29
وإذا لم تكن الرواية صحيحة، فإن القضية تتصل بالموقف العام من هذه المسألة في الأجواء الإسلامية العامة، في علاقات المشركين بالمسلمين، في نطاق المعاهدات المكتوبة، أو في نطاق الهدنة المعقودة بينهم بطريقةٍ واقعية. قيمة المرأة إسلامياً من خلال هذه الآيات
يمكن أن نستوحي من هذه الآيات ما يمنحه الإسلام للمرأة من قيمةٍ كبيرٍة في الاستقلال العقيدي، فليس لزوجها الحق في أن يفرض عليها عقيدته على أساس تبعيتها له، بل هي إنسانٌ مستقلٌ يملك الفكر المستقل الذي يتحرك في نطاق العقيدة، كما يملك الإرادة التي تؤكد الموقف والانتماء. كما يوحي إلينا، من الناحية التاريخية، إلى أيّ مدى كانت المرأة مستقلةً في مستوى الإيمان الكبير، بحيث كانت تترك زوجها وأهلها وأولادها، فراراً بدينها، حتى لا تسقط تحت تأثير الضغوط القاسية التي يحاول الكافرون ممارستها ضدها ليفتنوها عن دينها، فكانت تتحمل الصعوبات الشديدة والسفر المجهد الطويل، حتى تصل إلى رسول الله(ص) لتجد الحماية عنده، كما تجد المناخ الذي تستطيع أن تتنفس فيه هواء الإسلام النقي. وكان الوحي واضحاً في تأكيده على المؤمنين الذين يمثّلون المجتمع الإسلامي بأن يحققوا لهن الحماية إذا عرفوا صدق إيمانهن، وثبات موقفهن.
ولكننا نلاحظ على هذا الحديث ما لاحظه العلماء، بأن النسخ غير واردٍ، لأن آية الممتحنة سابقة على آية المائدة نزولاً، فكيف يمكن للسابق أن ينسخ اللاحق، فلا بد من تأويل الحديث أو طرحه. {وَاسْألُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ} إذا لحقت المرأة بالكفار، {وَلْيَسْألُواْ مَآ أَنفَقُواْ} من مهر نسائهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين. {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} على أساس التوازن في المعاملة المتبادلة بالمثل. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فهو الذي يعلم صلاح عباده ،فيجري تشريعاته على أساس الحكمة في ما يأخذون به أو في ما يتركونه. {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} أي إذا لحقت بعض زوجات المؤمنين بالكفار، ولم يتمكن أزواجهن من استرجاع المهر، {فَعَاقَبْتُمْ} بأن نال الكفار منكم عقوبة بالغلبة عليهم والحصول على الغنيمة منهم، {فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ} من صلب الغنيمة عوضاً عما فاتهم من المهر الذي خسروه بذهاب زوجاتهم مما يضطرون معه للزواج من أخرى.. وهناك وجوه أخرى لتفسير الآية لا مجال لذكرها، {وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمنونَ} في الوقوف عند حدوده في ذلك كله.