ثم قوله { الله الذي خلقكم} مبتدأ وصفة ، وقوله { يخلق ما يشاء} هو الخبر ، أي يخلق ما يشاء مما أخبر به وأنتم تنكرون. والضعف بضم الضاد في الآية وهو أفصح وهو لغة قريش. ويجوز في ضاده الفتح وهو لغة تميم. وروى أبو داود والترمذي عن عبد الله ابن عمر قال: قرأتها على رسول الله { الذي خلقكم من ضَعف} يعني بفتح الضاد فأقرأني: { من ضُعف} يعني بضم الضاد. وقرأ الجمهور ألفاظ { ضعف} الثلاثة بضم الضاد في الثلاثة. وقرأها عاصم وحمزة بفتح الضاد ، فلهما سند لا محالة يعارض حديثَ ابن عمر. والجمع بين هذه القراءة وبين حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نطق بلغة الضم لأنها لغة قومه ، وأن الفتح رخصة لمن يقرأ بلغة قبيلة أخرى ، ومن لم يكن له لغة تخصه فهو مخيَّر بين القراءتين. والضعف: الوهن واللين. و { مِن} ابتدائية ، أي: مبتدَأ خلقه من ضعف ، أي: من حالة ضعف ، وهي حالة كونه جنيناً ثم صبياً إلى أن يبلغ أشده ، وهذا كقوله: { خلق الإنسان من عجل} [ الأنبياء: 37] يدل على تمكن الوصف من الموصوف حتى كأنه منتزع منه ، قال تعالى: { وخلق الإنسان ضعيفاً} [ النساء: 28]. والمعنى: أنه كما أنشأكم أطواراً تبتدىء من الوهن وتنتهي إليه فكذلك ينشئكم بعد الموت إذ ليس ذلك بأعجب من الإنشاء الأول وما لحقه من الأطوار ، ولهذا أخبر عنه بقوله: { يخلق ما يشاء}.
- الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم . [ الروم: 54]
- الله الذى خلقكم من ضعف
- تفسير آية (الله الذي خلقكم من ضعف) - موضوع
- ص4 - تفسير أحمد حطيبة - تفسير قوله تعالى الله الذي خلقكم من ضعف - المكتبة الشاملة الحديثة
الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم . [ الروم: 54]
فالله خلق الإنسان من ضعف، ثم أوصله إلى القوة، ثم عاد به إلى الضعف مرة أخرى، ولذلك لا ينبغي أن يغتر الإنسان بما أعطاه سبحانه وتعالى في هذه الدنيا، بل لابد أن يستعين بما أعطاه الله سبحانه على طاعته، وما ينفعه في الدنيا وفي الآخرة. أما الإنسان الذي يغتر بما أعطاه الله من قوة، فهو جاهل مغرور لم ينظر إلى غيره، كيف كان في يوم من الأيام صغيراً، ثم صار شاباً، ثم صار شيخاً، وتتابعت مراحل عمر الإنسان لتؤذن برحيله؛ لذا لابد أن يدرك أن الذي فعل بغيره ما فعل الذي يفعل بك ما يفعل بالغير، وقد قالوا: السعيد من وعظ بغيره. وفي قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [الروم:54] قراءتان فقراءة الدوري عن أبي عمرو وخلف بالإدغام: (الله الذي خلقكُّم). وقوله: {مِنْ ضَعْفٍ} [الروم:54] الضعف الأول هي المرحلة التي كان عليها الإنسان في بطن أمه من نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم صار حملاً، وتتبعها مرحلة الطفولة التي تبدأ من نزول الإنسان من بطن أمه صبياً صغيراً إلى أن يكبر ويشب. قوله سبحانه: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} [الروم:54] أي: بعد مرحلتي الجنين والطفولة تأتي مرحلة الشباب والفتوة والاكتمال. ثم قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم:54] والضعف الأخير بسبب الشيخوخة والهرم كما بينت الآية.
الله الذى خلقكم من ضعف
فـ عبد الله بن عمر قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم: (الله الذي خلقكم من ضَعْف) فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم: (من ضُعْفٍ) وإن كانت هذه قراءة صحيحة وهذه قراءة صحيحة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بعض أصحابه بقراءة والبعض الآخر بقراءة، والكل كلام رب العالمين سبحانه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) ، فكلا القراءتين جائز، ولكن الغرض بيان: سبب اختيار حفص لهذه القراءة على القراءة الأخرى؟ فعلمنا أن اختيارها كان بسبب الحديث المتقدم، والحديث حسنه الترمذي وأيضاً حسنه الألباني. قال العلماء: الضعف يكون بالضم: الضُعف، ويكون بالفتح: الضَعف، على الخلاف الذي بين القراءتين، فالضعف بالفتح يكون في الرأي، وبالضم يكون في الجسد، وهذا صحيح، وإن كان كلٌ منهما يعطي المعنى الآخر، فالمعنى على القراءة بالفتح: كنتم في ضَعف، أي: في العقول وفي الآراء، إذ المعلوم أن الصبي الصغير لا عقل عنده، وإن كان فيه عقل يميز ولكنه لا يكلف بهذا العقل قطعاً؛ لأنه غير سوي وغير مكتمل، وهو ما نعني بالضعف، وعلى ذلك ستخُصَ القوة في قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} [الروم:54] بالقوة في الرأي، والمعنى: صار بالغاً عاقلاً مكلفاً يفهم الأشياء، ذا خبرة في الحياة.
تفسير آية (الله الذي خلقكم من ضعف) - موضوع
۞ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) قوله تعالى: الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير. قوله تعالى: الله الذي خلقكم من ضعف ذكر استدلالا آخر على قدرته في نفس الإنسان ليعتبر. ومعنى: من ضعف من نطفة ضعيفة. وقيل: من ضعف أي في حال ضعف; وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر. وأجاز النحويون الكوفيون من ضعف بفتح العين ، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيا أو ثالثا. ثم جعل من بعد ضعف قوة يعني الشبيبة. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يعني الهرم. وقرأ عاصم وحمزة: بفتح الضاد فيهن ، الباقون بالضم ، لغتان ، والضم لغة النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الجحدري: من ضعف ثم جعل من بعد ضعف بالفتح فيهما; ( ضعفا) بالضم خاصة. أراد أن يجمع بين اللغتين. قال الفراء: الضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم. الجوهري: الضعف ، والضعف: خلاف القوة. وقيل: الضعف بالفتح في الرأي ، وبالضم في الجسد; ومنه الحديث في الرجل الذي كان يخدع في البيوع: أنه يبتاع وفي عقدته ضعف.
ص4 - تفسير أحمد حطيبة - تفسير قوله تعالى الله الذي خلقكم من ضعف - المكتبة الشاملة الحديثة
ذات صلة ما مظاهر قدرة الله موضوع عن مظاهر قدرة الله في الكون
مظاهر قدرة الله
لا تخضع قدرة الله -سبحانه وتعالى- إلى القوانين البشريّة التي اعتادوها، فإنّها تخرق كلّ القوانين التي تجري في الأرض أمامهم، وخلاصة القول إنّ الله سبحانه على كلّ شيءٍ قديرٌ، قد غلبت قوّته كلّ قوّةٍ، وفاقت قدرته كلّ شيءٍ سواها، وحيث ما يولّي الإنسان وجهه يرى دليلاً من دلائل قدرة الله سبحانه، ومن ذلك ما يأتي: [١] [٢]
خَلق السماوات والأرض وما فيهنّ. كلّ ما في الأرض من خلائق وعجائب، تعدّ من مظاهر قدرة الله سبحانه. المطر ينزل من السماء، فيملأ الأرض حياةً. لا أحد يستطيع التعقيب على حُكمه، فإنّه إن شاء الضرّ لأحدٍ لا يستطيع كلّ الناس أن يدفعوا عنه هذا الضرّ، وكذلك إن شاء الخير لأحدٍ لا يستطيع جميع الأمم أن يردّوه عنه. شمول علمه كلّ شيءٍ، فلا يغيب عنه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، ولا يخفى عليه سرٌّ ولا علنٌ. ملكه ملأ السماء والأرض، فلا ينتهي رزقه أبداً. تطوى السماء يوم القيامة على أصبع، والأرض على أصبع، والجبال على أصبع، والخلائق على أصبع، والماء والثرى على أصبع، فهو المَلك يوم القيامة. اسم الله القدير
ورد اسم الله القدير والقادر والمقتدر، مع مشتقّات الفعل في القرآن الكريم أكثر من مئةٍ وثلاثين مرّةً، وأورد الله سبحانه في كتابه بعض دلائل قدرته وضعف الناس، إذ قال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) ، [٣] ولذلك فقد أُمر العبد أن يسلّم لقدرة الله سبحانه وعلمه في حياته كلّها، ولذلك شُرعت الاستخارة، ففيها يُظهر العبد ضعفه وقلّة حيلته وعلمه، وتوكّله على قدرة الله تعالى وعلمه.
وتنقل الإنسان بين هذه المراحل بدون اختياره يدل أن هناك قدرة مدبرة ذات مشيئة وإرادة، قال تعالى: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الروم:٥٤] سبحانه وتعالى، كما أن ضعف الإنسان ملازم له لا ينفك عنه، فإن كان ضعيفاً فالذي يرزقه هو الله سبحانه وتعالى، وإن كان قوياً فالذي يرزقه هو الله سبحانه وتعالى، ولذا ينبغي على الإنسان أن يكون دائماً وأبداً متوكلاً على ربه سبحانه، وليثق بالرب الذي أطعمه وهو في بطن أمه، وأطعمه وهو صبي صغير، فهو الذي يعطيه حتى يتوفاه سبحانه وتعالى.